في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنَّكُمۡ لَتَمُرُّونَ عَلَيۡهِم مُّصۡبِحِينَ} (137)

69

ثم تأتي لمحة عن قصة لوط . التي ترد في المواضع الأخرى تالية لقصة إبراهيم :

( وإن لوطاً لمن المرسلين . إذ نجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزاً في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين . وإنكم لتمرون عليهم مصبحين . وبالليل أفلا تعقلون ? ) . .

وهي أشبه باللمحة التي جاءت عن قصة نوح . فهي تشير إلى رسالة لوط ونجاته مع أهله إلا امرأته . وتدمير المكذبين الضالين . وتنتهي بلمسة لقلوب العرب الذين يمرون على دار قوم لوط في الصباح والمساء ولا تستيقظ قلوبهم ولا تستمع لحديث الديار الخاوية . ولا تخاف عاقبة كعاقبتها الحزينة !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّكُمۡ لَتَمُرُّونَ عَلَيۡهِم مُّصۡبِحِينَ} (137)

الخطاب لقريش الذين سيقت هذه القصص لعظتهم . والمرور : مجاوزة السائر بسيره شيئاً يتركه ، والمراد هنا : مرورهم في السفر ، وكان أهل مكة إذا سافروا في تجارتهم إلى الشام يمرّون ببلاد فلسطين فيمرون بأرض لوط على شاطىء البحر الميّت المسمّى بُحيرة لوط . وتعدية المرور بحرف ( على ) يعيِّن أن الضمير المجرور بتقدير مضاف إلى : على أرضهم ، كما قال تعالى : { أو كالذي مر على قرية } [ البقرة : 259 ] . يقال : مر عليه ومرّ به ، وتعديته بحرف ( على ) تفيد تمكّن المرور أشدّ من تعديته بالباء ، وكانوا يمرّون بديار لوط بجانبها لأن قُراهم غمرها البحر الميت وآثارها باقية تحت الماء .

والمُصبح : الداخل في وقت الصباح ، أي تمرّون على منازلهم في الصباح تارة وفي الليل تارة بحسب تقدير السير في أول النهار وآخره ، لأن رحلة قريش إلى الشام تكون في زمن الصيف ويكون السيرُ بُكرة وعشيّاً وسُرىً ؛ والباء في { وباللَّيلِ } للظرفية .

والخبر الذي في قوله : { وإنكم لتمُرُّون عليهم } مستعمل في الإِيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإِخبار ، وتأكيدُه بحرف التوكيد وباللام تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه ، وذلك مثل قوله : { وإنها لبسبيل مقيم في سورة الحجر } ( 76 ) . وفرع على ذلك بالفاء استفهام إنكاري من عدم فطْنتهم لدلالة تلك الآثار على ما حلّ بهم من سخط الله وعلى سبب ذلك وهو تكذيب رسول الله لوط .

وقد أشرنا إلى وجه تخصيص قصة لوط مع القصص الخمس في أول الكلام على قصة نوح وتزيد على تلك القصص بأن فيها مشاهدة آثار قومه الذين كذبوا وأصرّوا على الكفر .