ثم يهدأ الإيقاع شيئا ما ، في الجولة القادمة ، ليناسب جو القصص ، وهو يعرض ما كان بين موسى وفرعون ، وما انتهى إليه هذا الطاغية عندما طغى :
هل أتاك حديث موسى . إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى . اذهب إلى فرعون إنه طغى . فقل : هل لك إلى أن تزكى ? وأهديك إلى ربك فتخشى ? فأراه الآية الكبرى . فكذب وعصى ، ثم أدبر يسعى . فحشر فنادى . فقال : أنا ربكم الأعلى . فأخذه الله نكال الآخرة والأولى . . إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ) . .
وقصة موسى هي أكثر القصص ورودا وأكثرها تفصيلا في القرآن . . وقد وردت من قبل في سور كثيرة . وردت منها حلقات منوعة . ووردت في أساليب شتى . كل منها تناسب سياق السورة التي وردت فيها ؛ وتشارك في أداء الغرض البارز في السياق . على طريقة القرآن في إيراد القصص وسرده .
وهنا ترد هذه القصة مختصرة سريعة المشاهد منذ أن نودي موسى بالوادي المقدس ، إلى أخذ فرعون . . أخذه في الدنيا ثم في الآخرة . . فنلتقي بموضوع السورة الأصيل . وهو حقيقة الآخرة . وهذا المدى الطويل من القصة يرد هنا في آيات معدودات قصار سريعة ، ليناسب طبيعة السورة وإيقاعها .
وتتضمن هذه الآيات القصار السريعة عدة حلقات ومشاهد من القصة . .
وهي تبدأ بتوجيه الخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] : ( هل أتاك حديث موسى ? ) . . وهو استفهام للتمهيد وإعداد النفس والأذن لتلقي القصة وتمليها . .
يذكر الله تعالى قصةَ موسى وفرعون تسليةً للرسول الكريم على
ما يلاقيه من قومه ، بحكْمِ تكذيبهم له وإنكارهم للبعث ، وتماديهم في العُتُوِّ والطغيان . وذلك أن فرعون مع أنه كان أقوى من كفار قريشٍ وأشدَّ منهم شوكةً وأعظمَ سلطانا فإن الله أخَذه حينَ تمرد على ربه ولم يؤمن بموسى ، فاحذَروا أن يصيبَكم ما أصابه . وقصة موسى وفرعون من أكثر القصص التي ترِدُ في القرآن في أساليب متنوعة . وهنا جاءت مختصرة سريعة في أسلوب استفهام رشيق مشوّق لتناسب طبيعة السورة .
ولما كانت قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع القبط أشبه شيء بالقيامة لما حصل فيها من التقلبات والتغيرات وإيجاد المعدومات من الجراد والقمل والضفادع على تلك الهيئات الخارجة عن العادات في أسرع وقت . وقهر{[71385]} الجبابرة والمن على الضعفاء حتى كان آخر ذلك أن حشر بني إسرائيل {[71386]}فنشطهم من{[71387]} القبط نشطاً{[71388]} رقيقاً كلهم وجميع ما لهم مع دوابهم إلى ربهم-{[71389]} وحشر جميع القبط وراءهم فنزعهم نزعاً كلهم بحشر فرعون لهم {[71390]}بأصوات المنادين عنه{[71391]} في أسرع وقت وأيسر أمر إلى هلاكهم كما يحشر{[71392]} الأموات بعد إحيائهم بالصيحة إلى الساهرة ، ثم كانت العاقبة في الطائفتين بما للمدبرات أمراً أن نجا بنو إسرائيل بالبحر كما ينجو يوم البعث المؤمنون{[71393]} بالصراط ، وهلك فرعون وآله به كما يتساقط الكافرون{[71394]} بالصراط ، وذلك أنه رأى فرعون وجنوده البحر قد انفلق لبني إسرائيل فلم يعتبروا بذلك ثم دخلوا فيه وراءهم ، ولم يجوزوا أن الذي حسره عن مكانه قادر على أن يعيده كما {[71395]}ابتدأه فيغرقهم{[71396]} واستمروا في عماهم حتى رده{[71397]} الله فأغرقهم به كما أن من يكذب بالقيامة رأى بدء الله له و-{[71398]} لغيره وإفناءه بعد إبدائه ثم إنه لم يجوز أن يعيده كما بدأه أول مرة ، وصل بذلك قوله تعالى جواباً لمن يقول : هل لذلك من دليل ؟ مخاطباً لأشرف الخلق إشارة إلى أنه لا يعتبر هذا حق اعتباره إلا أنت ، مستفهماً عن الإتيان للتنبيه والحث على جمع النفس على التأمل والتدبر والاعتبار مقرراً ومسلياً له صلى الله عليه وسلم ومهدداً للمكذبين أن يكون حالهم - وهم أضعف أهل الأرض لأنه لا ملك لهم - كحال فرعون في هذا ، وقد كان أقوى أهل الأرض بما كان له من الملك وكثرة الجنود وقوتهم وسحرهم ومرودهم في خداعهم ومكرهم ورأى من الآيات ما لم يره أحد قبله ، فلما أصر على التكذيب ولم يرجع ولا أفاده التأديب أغرقه الله وآله فلم يبق منهم أحداً وقد كانوا لا يحصون عدداً بحيث إنه قيل : إن طليعته كانت على عدد بني إسرائيل ستمائة ألف : { هل أتاك } أي يا أعلم الخلق { حديث موسى * } أي ما كان من أمره الذي جددناه له حين أردناه{[71399]} فيكون كافياً لك في التسلية ولقومك في الحث على التصديق والتنبيه على الاعتبار والتهديد على التكذيب{[71400]} والإصرار
قوله تعالى : { هل أتاك حديث موسى 15 إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى 16 اذهب إلى فرعون إنه طغى 17 فقل هل لك إلى أن تزكّى 18 وأهديك إلى ربك فتخشى 19 فأراه الآية الكبرى 20 فكذب وعصى 21 ثم أدبر يسعى 22 فحشر فنادى 23 فقال أنا ربكم الأعلى 24 فأخذه الله نكال الآخرة والأولى 25 إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } .
يبين الله في آياته هذه قصة موسى عليه السلام ، إذ بعثه الله إلى الفاجر الخاسر المتجبر فرعون فأنذره موسى وحذّره بطش ربه وشديد انتقامه لعله يتذكر أو يخشع أو يزدجر عن طغيانه وظلمه ، لكنه ازداد عتوّا واستكبارا فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر . فقال سبحانه مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم تأنيسا له وتسلية كيلا يبتئس بصدود قومه { هل أتاك حديث موسى } هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران . أو هل سمعت خبره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.