هذا المقطع كله يظلله جو الآخرة ، وظل الخوف من عذابها ، والرجاء في ثوابها . ويبدأ بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى إعلان كلمة التوحيد الخالصة ؛ وإعلان خوفه - وهو النبي المرسل - من عاقبة الانحراف عنها ، وإعلان تصميمه على منهجه وطريقه ، وتركهم هم إلى منهجهم وطريقهم . وبيان عاقبة هذا الطريق وذاك ، يوم يكون الحساب .
( قل : إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ؛ وأمرت لأن أكون أول المسلمين . قل : إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) . .
وهذا الإعلان من النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بأنه مأمور أن يعبد الله وحده ، ويخلص له الدين وحده ؛ وأن يكون بهذا أول المسلمين ؛ وأنه يخاف عذاب يوم عظيم إن هو عصى ربه . . هذا الإعلان ذو قيمة كبرى في تجريد عقيدة التوحيد كما جاء بها الإسلام . فالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] في هذا المقام هو عبد لله . هذا مقامه لا يتعداه . وفي مقام العبادة يقف العبيد كلهم صفاً ، وترتفع ذات الله سبحانه متفردة فوق جميع العباد . . وهذا هو المراد .
وعند ذلك يقر معنى الألوهية ، ومعنى العبودية ، ويتميزان ، فلا يختلطان ولا يشتبهان ، وتتجرد صفة الوحدانية لله سبحانه بلا شريك ولا شبيه . وحين يقف محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في مقام العبودية لله وحده يعلن هذا الإعلان ، ويخاف هذا الخوف من العصيان ، فليس هنالك مجال لدعوى شفاعة الأصنام أو الملائكة بعبادتهم من دون الله أو مع الله بحال من الأحوال .
قوله تعالى : " قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم " يريد عذاب يوم القيامة ، وقال حين دعاه قومه إلى دين آبائه . قاله أكثر أهل التفسير . وقال أبو حمزة الثمالي وابن المسيب : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " [ الفتح : 2 ] فكانت هذه الآية من قبل أن يغفر ذنب النبي صلى الله عليه وسلم .
ولما كان ما أمر به مفهماً لأن يكون مع ترغيب ومع ترهيب ، وكان ربما ظن أن الرئيس لا يرهب الملك لأمور ترجى منه أو تخشى ، وكان تكرير الأمر بإبلاغ المأمورين أوقع في قلوبهم وأشد إقبالاً بنفوسهم قال تعالى : { قل } أي لأمتك ، وأكد - لما في الأوهام أن الرئيس لا يخاف - قوله { إني أخاف } أي مع تأمينه لي بغفران ما تقدم وما تأخر إخلاصاً في إجلاله وإعظامه وفعلاً لما على العبد لمولاه الذي له جميع الكبرياء والعظمة ، ولما كان وصف الإحسان ربما جراً على العصيان ، يبن أنه لا يكون ذلك إلا لعادم العرفان فقال : { إن عصيت ربي } أي المحسن إليّ المربي لي بكل جميل فتركت الإخلاص له { عذاب يوم عظيم * } وإذا كان اليوم عظيماً ، فكيف يكون عذابه .
قوله تعالى : { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } : يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإعلان عن خوفه من عصيان ربه ، وعصيانه بالزيغ عن دينه وشرعه ، والنكول عن صراطه المستقيم ، وبمفارقة المعاصي والموبقات فيقول لقومه : إني أخاف – إن فعلت ذلك – عذاب يوم القيامة ، وهو يوم عظيم البلايا والدواهي والفظائع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.