كذلك : أي : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم .
28- { كذلك وأورثناها قوما آخرين } .
أي : كذلك فعلنا بهم حيث أهلكناهم ، وأورثنا منازلهم وملكهم وديارهم قوما آخرين ، فما مضى عليهم إلا وقت يسير ، بين أن كانوا في نعمة وملك وزروع ، وجنات ومقام كريم ، إلى أن صاروا غرقى وقتلى وهلكى ، يتعرضون لخزي الدنيا وعذاب الآخرة ، ثم صار الملك والنعيم لآخرين ، فسبحان المعز المذل .
{ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } . ( آل عمران : 26 ) .
( أ ) ذهب بعض المفسرين إلى أن القوم الآخرين الذين ورثوا ملك فرعون وقومه ، هم بنو إسرائيل .
والمراد بهم بنو إسرائيل ، فقد استولوا -بعد غرق فرعون وقومه- على الممالك القبطية ، والبلاد المصرية ، كما قال تعالى : { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ( 137 ) } . ( الأعراف : 137 ) .
وكما قال سبحانه : { كذلك وأورثناها بني إسرائيل } . ( الشعراء : 59 ) .
المقصود من الآية أنهم ورثوا ملك فرعون في أرض الشام التي هاجروا إليها ، وكانت تابعة لمصر في عهد فرعون6 ، ولم يثبت تاريخيا أنهم عادوا إلى مصر بعد أن هاجروا إلى الشام .
( ج ) وذكر الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن ما يأتي : { كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين } .
ويبدأ المشهد بصور النعيم الذي كانوا فيه يرفلون : جنات ، وعيون ، وزروع ، ومكان مرموق ينالون فيه الاحترام والتكريم ، ونعمة يلتذونها ويطعمونها ، ويعيشون فيها مسرورين محبورين ، ثم ينزع هذا كله منهم ، أو ينزعون منه ، ويرثه قوم آخرون .
وفي موضع آخر قال : { كذلك وأورثناها بني إسرائيل } . ( الشعراء : 59 ) .
وبنو إسرائيل لم يرثوا ملك فرعون بالذات ، ولكنهم ورثوا ملكا مثله في الأرض الأخرى ، فالمقصود هو نوع الملك والنعمة الذي زال عن فرعون وملئه ، وورثه بنو إسرائيل ، ثم ماذا ؟ ثم ذهب هؤلاء الطغاة الذين كانوا ملء الأعين والنفوس في هذه الأرض ، ذهبوا فلم يأس على ذهابهم أحد ، ولم تشعر بهم سماء ولا أرض7 .
قال الزجاج : أي الأمر كذلك ، فيوقف على " كذلك " . وقيل : إن الكاف في موضع نصب ، على تقدير نفعل فعلا كذلك بمن نريد إهلاكه . وقال الكلبي : " كذلك " أفعل بمن عصاني . وقيل : " كذلك " كان أمرهم فأهلكوا . " وأورثناها قوما آخرين " يعني بنى إسرائيل ، ملكهم الله تعالى أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين ، فصاروا لها وارثين ؛ لوصول ذلك إليهم كوصول الميراث . ونظيره : " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها " {[13728]} [ الأعراف : 137 ] .
ولما كان هذا أمراً عظيماً لا يكاد يصدق أن يكون لأحد ، دل على عظمه{[57500]} وحصوله لهم بقوله : { كذلك } أي الأمر كما أخبرنا به من تنعيمهم{[57501]} وإخراجهم وإغراقهم وأنهم تركوا جميع ما كانوا فيه لم يعن{[57502]} عنهم شيء منه ، فلا يغترن{[57503]} أحد{[57504]} بما ابتليناه به من النعم لئلا يصنع به من الإهلاك ما صنعنا بهم . ولما أفهم سوق الكلام هكذا إغراقهم كلهم ، زاده إيضاحاً بالتعبير بالإرث الذي{[57505]} حقيقته الأخذ عن الميت{[57506]} أخذاً لا منازع فيه فقال عاطفاً على ما تقدم تقديره بعد اسم الإشارة : { وأورثناها } أي تلك الأمور العظيمة { قوماً } أي ناساً ذوي قوة في القيام على ما يحاولونه ، وحقق أنهم غيرهم تحقيقاً لإغراقه بقوله : { آخرين * } قال ابن برجان ، وقال في سورة الظلمة : " وعيون وكنوز " مكان " وزروع " لما{[57507]} كان المعهود من الزرع الحصد في أقرب المدة أورث زروعها وجناتها وما فيها من مقام كريم قوماً ليسوا بآل فرعون فإنهم أهلكوا ولا بني إسرائيل فإنهم قد عبروا البحر ، ولما توطد{[57508]} ملكهم في الأرض المقدسة اتصل بمصر ، فورثوا الأرض بكنوزها وأموالها ونعمتها ومقامها الكريم - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.