ولا يحيا : أي حياة طيبة . قال الشاعر :
ألا ما لنفس لا تموت فينقضي *** عناها ولا تحيا حياة لها طعم .
13- ثم لا يموت فيها ولا يحيى .
فهو لا يموت فيجد طعم الراحة ، ولا يحيا حياة كريمة ، ولا يخفف عنه العذاب ، ولا يجاب رجاؤه ، ونحو الآية قوله تعالى : والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور . ( فاطر : 36 ) .
والعرب تقول لمن أصيب بمرض أقعده : ( لا هو حيّ فيرجى ، ولا ميّت فينعى ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال :{ ثم لا يموت فيها ولا يحيى } يقول : لا يموت في النار فيستريح ، ولا يحيا حياة طيبة ، ولكنه في بلاء ما دام في النار يأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت... ويحترق كل يوم سبع مرات ، ثم يعاد إلى العذاب ليس له طعام إلا من لحمه ، فذلك قوله : "ولا طعام إلا من غسلين" ، يأكل النار وتأكله وهو في النار ، لباسه النار ، وعلى رأسه نار ، وفي عنقه نار ... لا يرحم أبدا ، ولا يشبع أبدا ، ولا يموت أبدا ، ولا يعيش معيشة طيبة أبدا ، الله عليه غضبان ، والملائكة غضاب ، وجهنم غضبانة . ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "ثُمّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيا" يقول : ثم لا يموت في النار الكُبرى ولا يحيا ، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه ، فلا تخرج فتفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه .
وقال آخرون : قيل ذلك ، لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة ، قالوا : لا هو حيّ ، ولا هو ميت ، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي لا تنقضي عنه أفعال الموت ، وهي آلامها وأوجاعها ، بل يبقى في آلامها أبدا . قال تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } [ إبراهيم : 17 ] أي لا يقضى عليه حتى يتخلص من أوجاعها { ولا يحيى } فقوله : { ولا يحيى } أي لا يرتفع عنه ألم الموت ، أو يكون قوله : { لا يموت فيها } فيستريح { ولا يحيى } حياة يتلذذ بها . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ثم لا يموت فيها } أي لا يتجدد له في هذه النار موت وإن طال المدى . ولما كان من يدخل النار فلا تؤثر في موته قد يكون ذلك إكراماً له من باب خرق العوائد ، احترز عنه بقوله : { ولا يحيى } أي حياة تنفعه لأنه ما تزكى فلا صدق ولا صلى .
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فلا هو يموت فيجد طعم الراحة ؛ ولا هو يحيا في أمن وراحة . إنما هو العذاب الخالد ، الذي يتطلع صاحبه إلى الموت كما يتطلع إلى الأمنية الكبرى ! ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فمعنى { لا يموت } : لا يزول عنه الإِحساس ، فإن الموت فقدان الإِحساس مع ما في هذه الحالة من الأعجوبة وهي مما يؤكد اعتبار تراخي الرتبة في هذا التنكيل . وتعقيبه بقوله : { ولا يحيى } احتراس لدفع توهم أن يراد بنفي الموت عنهم أنهم استراحوا من العذاب لما هو متعارف من أن الاحتراق يُهلك المحرَق ، فإذا قيل : { لا يموت } توهَّم المنذَرون أن ذلك الاحتراق لا يبلغ مبلغ الإِهلاك فيبقى المحرق حياً فيظن أنه إحراق هيّن فيكون مسلاة للمهددين فلدفع ذلك عطف عليه { ولا يحيى } ، أي حياة خالصة من الآلام والقرينة على الوصف المذكور مقابلة ولا يحيى بقوله : { يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها }...
" ثم لا يموت فيها ولا يحيى " أي لا يموت فيستريح من العذاب ، ولا يحيا حياة تنفعه ، كما قال الشاعر :
ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فينقضي *** عَنَاهَا ولا تحيا حياة لها طَعْمُ
وقد مضى في " النساء " {[15977]} وغيرها حديث أبي سعيد الخدري ، وأن الموحدين من المؤمنين إذا دخلوا جهنم - وهي النار الصغرى على قول الفراء - احترقوا فيها وماتوا ، إلى أن يشفع فيهم . خرجه مسلم . وقيل : أهل الشقاء متفاوتون في شقائهم ، هذا الوعيد للأشقى ، وإن كان ثم شقي لا يبلغ هذه المرتبة .
ولما كان ما هذا شأنه يهلك على ما جرت به العادة في أسرع وقت ، فإذا كان من شأنه مع هذا العظم أنه لا يهلك كان ذلك دليلاً واضحاً على أنه لا يعلم كنه عظمة مقدره{[72926]} إلا هو سبحانه وتعالى فأشار إلى ذلك بالتعبير بأداة التراخي إعلاماً بأن مراتب هذه الشدة في التردد بين{[72927]} الموت والحياة لا يعلم علوها عن شدة الصلى إلا الله تعالى فقال : { ثم لا يموت فيها{[72928]} } أي لا يتجدد له في هذه النار موت وإن طال المدى .
ولما كان من يدخل النار فلا تؤثر في موته قد يكون ذلك إكراماً له من باب خرق العوائد ، احترز عنه بقوله : { ولا يحيى * } أي حياة تنفعه لأنه ما تزكى فلا صدق ولا صلى .