تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (86)

ثم انتقل إلى ما هو أعظم من ذلك ، فقال :

{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ } وما فيها من النيرات ، والكواكب السيارات ، والثوابت { وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } الذي هو أعلى المخلوقات وأوسعها وأعظمها ، فمن الذي خلق ذلك ودبره ، وصرفه بأنواع التدبير ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (86)

أمر الله تعالى نبيه بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا بباريها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله ، وقرأ الجميع في الأول { لله } بلا خلاف وفي الثاني والثالث ، فقرأ أبو عمرو وحده «لله » جواباً على اللفظ ، وقرأ باقي السبعة ، «لله » جواباً على المعنى كأنه قال في السؤال لمن ملك { السموات السبع } إذ قولك لمن هذه الدار ؟ وقولك من مالك هذه الدار ؟ واحد في المعنى{[8531]} ثم جعل التوبيخ مدرجاً بحسب وضوح الحجة شيئاً فشيئاً فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر ، ثم وقف على { السموات السبع } ، و { العرش } ، وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر وهذا بحسب وضوح الحجة .


[8531]:لا خلاف في الأول بين القراء فهو: {سيقولون لله} لأن اللام تقدمت في قوله: {لمن الأرض} عند السؤال فجاءت في الجواب، واختلف القراء في الثاني والثالث حملا على اللفظ أو على المعنى لأن السؤال خلا من اللام، فمن قرأ: [الله] نظر إلى اللفظ، ومن قرأ [الله] نظر إلى المعنى، ومن هذا قول الشاعر: إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالد إذ التقدير: لمن المزالف؟ وهي القرى التي تقع بين البر والبحر.

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبۡعِ وَرَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (86)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: من ربّ السموات السبع، وربّ العرش المحيط بذلك؟ سيقولون: ذلك كله لله، وهو ربه. فقل لهم: أفلا تتقون عقابه على كفركم به وتكذيبكم خبره وخبر رسوله؟

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" قل "يا محمد لهم أيضا "من رب السماوات السبع "أي من مالكها والمتصرف فيها؟ ولولاه لبطل كل شيء سواه، لأنه لا يصح إلا مقدوره أو مقدور مقدوره، فقوام كل ذلك به، ولا تستغني عنه طرفة عين لأنها ترجع إلى تدبيره على ما يشاء عز وجل، وكذلك هو تعالى "رب العرش العظيم" وإنما وجب أن يكون رب السماوات والعرش، من حيث كانت هذه الأشياء جميعها محدثة، لا بد لها من محدث اخترعها وأنشأها، ولابد لها من مدبر يدبرها ويمسكها، ويصرفها على ما تتصرف عليه، ولابد أن يختص بصفات: من كونه قادرا عالما لنفسه ليتأتى منه جميع ذلك، على ما دبره.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 84]

أمر الله تعالى نبيه بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا بباريها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله، وقرأ الجميع في الأول {لله} بلا خلاف وفي الثاني والثالث، فقرأ أبو عمرو وحده «لله» جواباً على اللفظ، وقرأ باقي السبعة، «لله» جواباً على المعنى كأنه قال في السؤال لمن ملك {السموات السبع} إذ قولك لمن هذه الدار؟ وقولك من مالك هذه الدار؟ واحد في المعنى ثم جعل التوبيخ مدرجاً بحسب وضوح الحجة شيئاً فشيئاً فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر، ثم وقف على {السموات السبع}، و {العرش}، وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر وهذا بحسب وضوح الحجة.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

أي: من هو خالق العالم العُلْوي بما فيه من الكواكب النيّرات، والملائكة الخاضعين له في سائر الأقطار منها والجهات، ومن هو رب العرش العظيم، يعني: الذي هو سقف المخلوقات، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"شأن الله أعظم من ذلك، إن عرشه على سمواته هكذا" وأشار بيده مثل القبة. وفي الحديث الآخر: "ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة".

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكرهم بالعالم السفلي لقربه، تلاه بالعلوي لأنه أعظم فقال على ذلك المنوال مرقياً لهم إليه: {قل من رب} أي خالق ومدبر {السماوات السبع} كما تشاهدون من حركاتها وسير نجومها {ورب العرش العظيم} الذي أنتم به معترفون.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

أُعيد الرَّبُّ تنويهاً لشأن العرش ورفعاً لمحلِّه عن أن يكونَ تبعاً للسَّمواتِ وجُوداً وذِكراً، ولقد رُوعي في الأمر بالسُّؤال التَّرقِّي من الأدنى إلى الأعلى.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

والربوبية تقتضي: أولا الخلق والتكوين. وتقتضي ثانيا الإمداد برحمته. وتقتضي ثالثا الرقابة عليه والتنظيم له، والتسيير له، والقيام على شئونه. والسموات وصفها بأنها سبع، ثم قال تعالى: {وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، أي صاحب السلطان العظيم المهيمن على الوجود كله...

ويلاحظ أنه تكرر لفظ الرب في قوله تعالى: {مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ونقول: إن التكرار لتغاير معنى الربوبية، ففي الأولى السؤال عن الخالق، والمنمي، والقائم بالتدبير، والتسيير، والثاني معنى الربوبية السلطان والحكم، {قل أَفَلَا تَتَّقُونَ} الأمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم ليقنعهم بخلق الله مع استحقاقه وحده العبودية {أَفَلَا تَتَّقُونَ} (الفاء) كما ذكرنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي أنه إذا كان يجب عليهم أن يتقوا الله ويجعلوا وقاية بينهم وبين عذابه، ما دام هو رب هذا الوجود كله، ورب السلطان فيه وحده، وهو الذي يعذب من يشاء، ويغفر لمن يشاء.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

نلحظ أنهم لم يجادلوا في هذه المسألة، ولم يقولوا مثلا إنها سماء واحدة هي التي نراها، مما يدل على أنها أمر غير منكور عندهم، ولا بد أن الأنبياء السابقين قد أخبروهم خبر السماء، وأنها سبع سموات، وأصبحت عندهم قضية عقلية يعرفونها، وإلا كان بوسعهم الاعتراض، حيث لا يرون إلا سماء واحدة. إذن: لم يجادلوا في هذا الموضوع. وقوله تعالى: {ورب العرش العظيم} العرش مخلوق عظيم لا يعلم كنهه إلا الله الذي قال فيه {ثم استوى على العرش.. (54)} [الأعراف]، وقال {وكان عرشه على الماء.. (7)} [هود]. والعرش لم يره أحد، إنما أخبر عنه ربه الذي خلقه، فقال: لي كذا ولي كذا، ويكفي أن الله تعالى وصفه بأنه عظيم. وفي هذه أيضا لم يجادلوا رسول الله ولم يقولوا إننا لم نر العرش، مما يدل على أن عندهم حصيلة من تراث الأنبياء السابقين انتقلت إليهم فطرة من فطر التكوين البشري في السماع من الموجودين. وقد وصف العرش بأنه عظيم عند البشر أيضا، ففي قصة سليمان وملكة سبأ قال الهدهد: {ولها عرش عظيم (23)} [النمل]: لأن العرش رمزية لاستقرار الملك واستتباب الأمر للملك الذي لا ينازعه في ملكه أحد، ولا يناوشه عليه عدو، لذلك أول ما قال سليمان- عليه السلام- في أمرها قال: {أيكم يأتيني بعرشها.. (38)} [النمل]: وكأنه يريد أن يسلب منها أولا رمز العظمة والأمن والأمان والاستقرار في الملك.