التُفِتَ من طريق الغيبة إلى الخطاب ومرجع الخطاب هم المشركون لظهور أنهم المقصود بالتهديد ، وهو تصريح بما تضمنه قوله : { أكفاركم خير من أولائكم } [ القمر : 43 ] فهو بمنزلة النتيجة لقوله : { إنا كل شيء خلقناه بقدر إلى كلمح بالبصر } [ القمر : 49 ، 50 ] .
وهذا الخبر مستعمل في التهديد بالإِهلاك وبأنه يفاجئهم قياساً على إهلاك الأمم السابقة ، وهذا المقصد هو الذي لأجله أكد الخبر بلام القسم وحرفِ ( قد ) . أما إهلاك من قبلهم فهو معلوم لا يحتاج إلى تأكيد .
ولك أن تجعل مناط التأكيد إثبات أن إهلاكهم كان لأجل شِركهم وتكذيبهم الرسل . وتفريع { فهل من مدكر } قرينة على إرادة المعنيين فإن قوم نوح بقُوا أزماناً فما أقلعوا عن إشراكهم حتى أخذهم الطوفان بغتة . وكذلك عاد وثمود كانوا غير مصدقين بحلول العذاب بهم فلما حل بهم العذاب حل بهم بغتة ، وقوم فرعون خرجوا مقتفين موسى وبني إسرائيل واثقين بأنهم مدركوهم واقتربوا منهم وظنوا أنهم تمكنوا منهم فما راعهم إلا أن أنجى الله بني إسرائيل وانطبق البحر على الآخرين .
والمعنى : فكما أهلكنا أشياعَكم نهلككم ، وكذلك كان ، فإن المشركين لمّا حلوا ببدر وهم أوفر عدداً وعُددا كانوا واثقين بأنهم مُنقذون عيرهم وهازمون المسلمين فقال أبو جهل وقد ضَرب فرسه وتقدم إلى الصف « اليوم ننتصر من محمد وأصحابه » فلم تَجُل الخيل جَولة حتى شاهدوا صناديدهم صرعى ببدر : أبا جهل ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف وغيرهم في سبعين رجلاً ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة .
والأشياع : جمع شيعة . والشيعة : الجماعة الذين يؤيدون من يُضَافون إليه ، وتقدم في قوله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا } في آخر سورة الأنعام ( 159 ) .
وأطلق الأشياع هنا على الأمثال والأشباه في الكُفْر على طريق الاستعارة بتشبيههم وهم منقرضون بأشياع موجودين .
وفرع على هذا الإنذار قوله : { فهل من مدكر } وتقدم نظيره في هذه السورة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولقد أهلكنا} بالعذاب {أشياعكم} يعني عذبنا إخوانكم أهل ملتكم، يا أهل مكة، يعني الأمم الخالية حين كذبوا رسلهم.
{فهل من مدكر} يقول: فهل من متذكر فيعلم أن ذلك حق فيعتبر ويخاف، فلا يكذب محمدا صلى الله عليه وسلم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية، على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله، وتكذيب رسله،" فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ "يقول: فهل من مُتّعظ بذلك منزجر ينزجر به.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ}: أشباهكم في الكفر من الأُمم السالفة.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
أي الفرق المتشايعة في مذهب ودين.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
التُفِتَ من طريق الغيبة إلى الخطاب ومرجع الخطاب هم المشركون لظهور أنهم المقصود بالتهديد، وهو تصريح بما تضمنه قوله: {أكفاركم خير من أولائكم} [القمر: 43] فهو بمنزلة النتيجة لقوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر إلى كلمح بالبصر} [القمر: 49، 50]. وهذا الخبر مستعمل في التهديد بالإِهلاك وبأنه يفاجئهم قياساً على إهلاك الأمم السابقة، وهذا المقصد هو الذي لأجله أكد الخبر بلام القسم وحرفِ (قد). أما إهلاك من قبلهم فهو معلوم لا يحتاج إلى تأكيد.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.