تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا} (92)

{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ْ } قال المفسرون : ذهب متوجها من المشرق ، قاصدا للشمال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا} (92)

{ ثم أتبع سبباً } يعني طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا من الجنوب إلى الشمال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا} (92)

قرأت فرقة «اتّبع » بشد التاء ، وقرأت فرقة «أتبع » بتخفيفها ، وقد تقدم ذكره وهذه الآية تقتضي أنه لما بلغ مطلع الشمس ، أي أدنى الأرض من مطلع الشمس ، { أتبع } بعد ذلك { سبباً } ، أي طريقاً آخر ، فهو ، والله أعلم ، إما يمنة وإما يسرة من مطلع الشمس .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ثُمَّ أَتۡبَعَ سَبَبًا} (92)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ثم سار طرقا ومنازل، وسلك سبلاً "حَتَى إذَا بَلَغَ بينَ السّدّيْنِ"...

والسَّد والسُّد جميعا: الحاجز بين الشيئين، وهما ههنا فيما ذُكر جبلان سدّ ما بينهما، فردم ذو القرنين حاجزا بين يأجوج ومأجوج ومن وراءهم، ليقطع مادّ غوائلهم وعيثهم عنهم...

وقوله:"وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْما لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً "يقول عزّ ذكره: وجد من دون السدّين قوما لا يكادون يفقهون قول القائل سوى كلامهم.

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله "يَفْقَهُونَ"؛

فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة "يَفْقَهُونَ قَوْلاً" بفتح القاف والياء، من فقَه الرجل يفقه فقها. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة «يُفْقِهُونَ قَوْلاً» بضمّ الياء وكسر القاف: من أفقهت فلانا كذا أفقهه إفقاها: إذا فهمته ذلك.

والصواب عندي من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار، غير دافعة إحداهما الأخرى وذلك أن القوم الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر جائز أن يكونوا لا يكادون يفقهون قولاً لغيرهم عنهم، فيكون صوابا القراءة بذلك. وجائز أن يكونوا مع كونهم كذلك كانوا لا يكادون أن يفقهوا غيرهم لعلل: إما بألسنتهم، وإما بمنطقهم، فتكون القراءة بذلك أيضا صوابا.

وقوله: "إنّ يأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ"...

اختلف أهل التأويل في معنى الإفساد الذي وصف الله به هاتين الأمتين؛ فقال بعضهم: كانوا يأكلون الناس...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن يأجوج ومأجوج سيفسدون في الأرض، لا أنهم كانوا يومئذ يفسدون... الذين قالوا لذي القرنين "إنّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوج مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ" إنما أعلموه خوفَهم ما يُحدث منهم من الإفساد في الأرض، لا أنهم شَكَوا منهم فسادا كان منهم فيهم أو في غيرهم، والأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم سيكون منهم الإفساد في الأرض، ولا دلالة فيها أنهم قد كان منهم قبل إحداث ذي القرنين السدّ الذي أحدثه بينهم وبين من دونهم من الناس في الناس غيرهم إفساد.

فإذا كان ذلك كذلك بالذي بيّنا، فالصحيح من تأويل قوله "إنّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوج مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ": إن يأجوج ومأجوج سيفسدون في الأرض.

وقوله: "فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجا" اختلفت القرّاء في قراءة ذلك؛ فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: "فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجا" كأنهم نحوا به نحو المصدر من خَرْج الرأس، وذلك جعله. وقرأته عامّة قرّاء الكوفيين: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجا» بالألف، وكأنهم نحوا به نحو الاسم، وعنوا به أجرة على بنائك لنا سدّا بيننا وبين هؤلاء القوم.

وأولى القراءتين في ذلك عدنا بالصواب قراءة من قرأه: «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجا» بالألف، لأن القوم فيما ذُكر عنهم، إنما عرضوا على ذي القرنين أن يعطوه من أموالهم ما يستعين به على بناء السدّ، وقد بين ذلك بقوله: "فَأعِينُونِي بقُوّةٍ أجْعَلْ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُمْ رَدْما" ولم يعرضوا عليه جزية رؤوسهم. والخراج عند العرب: هو الغلة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{بَيْنَ السَّدَّيْنِ} بين الجبلين وهما جبلان سدّ ذو القرنين مما بينهما...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وهذه الآية تقتضي أنه لَمّا بَلَغَ مَطلِعَ الشمسِ، أي أدنى الأرضِ مِن مَطلِع الشمس، {أَتْبَعَ} بعد ذلك {سَبَباً}، أي طريقاً آخَرَ، فهو، والله أعلم، إمّا يُمْنَةٌ وإمّا يُسْرَةٌ مِن مَطلِع الشمسِ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{حتى إذا بلغ} في مسيره ذلك {بين السدين} أي الجبلين المانعين من ورائهما من الوصول منهما إلى من أمامهما... {وجد من دونهما} أي بقربهما من الجانب الذي هو أدنى منهما إلى الجهة التي أتى منها ذو القرنين {قوماً} أي أقوياء لغتهم في غاية البعد من لغات بقية الناس لبعد بلادهم من بقية البلاد، فهم لذلك {لا يكادون يفقهون قولاً} أي لا يقربون من أن يفهموه ممن مع ذي القرنين فهماً جيداً كما يفهم غيرهم، ودل وصفهم بما يأتي على أنهم يفهمون فهماً ما بعد بُعد ومحاولة طويلة، لعدم ماهر بلسانهم ممن مع ذي القرنين، وعدم ماهر منهم بلسان أحد ممن معه، وهذا يدل على أن بينهم وبين بقية سكان الأرض غير يأجوج ومأجوج براري شاسعة، وفيافي واسعة، منعت من اختلاطهم بهم، وأن تطبعهم بلسان غيرهم بعيد جداً لقلة حفظهم لخروج بلادهم عن حد الاعتدال، أو لغير ذلك، ويلزم من ذلك أنهم لا يكادون يفهمون غيرهم شيئاً من كلامهم، وذلك معنى قراءة حمزة والكسائي بضم التحتانية وكسر القاف.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

السدّ بضم السين وفتحها: الجبل. ويطلق أيضاً على الجدار الفاصل، لأنه يسد به الفضاء، وقيل: الضم في الجبل والفتح في الحاجز...

والمراد {بالسدين} هنا الجبلان، وبالسد المفرد الجدار الفاصل، والقرينة هي التي عيّنت المراد من هذا اللفظ المشترك.

وتعريف {السَّدَّيْنِ} تعريف الجنس، أي بين سدّين معينين، أي اتبع طريقاً آخر في غزوه حتى بلغ بين جبلين معلومين...

ومعنى {لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} أنهم لا يعرفون شيئاً من قول غيرهم فلغتهم مخالفة للغات الأمم المعروفة بحيث لا يعرفها تراجمة ذي القرنين لأن شأن الملوك أن يتخذوا تراجمة ليترجموا لغات الأمم الذين يحتاجون إلى مخاطبتهم، فهؤلاء القوم كانوا يتكلمون بلغة غريبة لانقطاع أصقاعهم عن الأصقاع المعروفة فلا يوجد من يستطيع إفهامهم مراد الملك ولا هم يستطيعون الإفهام.

ويجوز أن يكون المعنى أنهم قوم متوغلون في البداوة والبلاهة فلا يفهمون ما يقصده من يخاطبهم...

وهؤلاء القوم مجاورون ياجوج وماجوج، وكانوا أضعف منهم فسألوا ذا القرنين أن يقيهم من فساد ياجوج وماجوج...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

أي أَردَفَ إلى الأمور السابقة التي كانت سبباً في تَحمُّل ما تَحَمَّلَ سبباً آخَرَ وسَلَكَ طريقاً آخَرَ، و {ثُمَّ} هنا للترتيب والتّراخي، والتّراخي كان فيما بَذَلَه مِن زمنٍ في تَبَيُّنِ حالِ أولئك الذين يعيشون على الفِطْرة لم يَجعَل اللهُ بينهم وبين الشمس سِتْراً في ظِلٍّ ولا حَرُورٍ، وبعدَ مُضِيِّ زمنٍ في هذه الإصلاحات التي تَجعلُهم أُناساً يَعرفون ما لهم وما عليهم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} وقد يكون المراد بهما الجبلين، لأن السد يطلق على الجبل وعلى كل حاجز يسدّ طريق العبور {وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً} في ما يوحي به ذلك من بساطتهم وسذاجة فهمهم، بحيث لا يعيشون العمق الفكري في مواجهتهم للمشاكل، فيحتاجون إلى الشخص الذي يدبِّر لهم أمورهم، ويقودهم إلى الحلول الممكنة التي كانوا يستطيعون الوصول إليها بأنفسهم، لو كانوا يملكون الوعي الكامل المنطلق من حالة المعاناة الفكرية. وهذا ما واجهوه مع أولئك الذين كانوا يعيشون في الجانب الآخر من المنطقة، وراء الجبلين، فقد كان بإمكانهم أن يبحثوا عن الوسيلة التي يستطيعون أن يتخلصوا بها من ضغطهم على واقعهم في ما يتحركون به من إفساد البلاد والعباد، إما بالمواجهة، أو بالمعاهدة، أو بغير ذلك من الأمور، ولكنهم لم يجدوا هناك إلاّ إقامة السدّ بينهم، ليكون ذلك حاجزاً طبيعياً يمنعهم من القدوم إليهم، أو الهجوم عليهم. وهكذا طرحوا المسألة على ذي القرنين بسذاجة وطيبة وبساطة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أي بعد هذه الحادثة استفاد مِن الوسائل المهمّة التي كانت تحت تصرفه ومضى في سفره حتى وصل إلى موضع بين جبلين: (حتى إِذا بلغَ بين السدين وجد مِن دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولا).

والآية إِشارة إلى أنَّهُ وَصَل إلى مَنطقة جبلية، وهناك وَجدَ أُناساً (غير المجموعتين اللتين عثر عليهما في الشرق والغرب) كانوا على مستوى دان مِن المدنية، لأنّ الكلام أحد أوضح علائم التمدُّن لدى البشر.

البعض احتمل أنَّ جملة (لا يكادون يفقهون قولا) لا تعني أنّهم لم يكونوا يعرفون اللغات، بل كانوا لا يفهمون محتوى الكلام، أي كانوا مُتخلفين فكرياً.