هنا - في مواجهة هذا المشهد - يعقب السياق القرآني بحقيقة ما هو كائن :
( فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة ) . .
والزجرة : هي الصيحة . ولكنها تقال هنا بهذا اللفظ العنيف تنسيقا لجو المشهد مع مشاهد السورة جميعا .
والساهرة هي الأرض البيضاء اللامعة . وهي أرض المحشر ، التي لا ندري نحن أين تكون . والخبر عنها لا نعرفه إلا من الخبر الصادق نتلقاه ، فلا نزيد عليه شيئا غير موثوق به ولا مضمون !
وهذه الزجرة الواحدة يغلب - بالاستناد إلى النصوص الأخرى - أنها النفخة الثانية . نفخة البعث والحشر . والتعبير عنها فيه سرعة . وهي ذاتها توحي بالسرعة . وإيقاع السورة كلها فيه هذا اللون من الإسراع والإيجاف . والقلوب الواجفة تأخذ صفتها هذه من سرعة النبض ، فالتناسق ملحوظ في كل حركة وفي كل لمحة ، وفي كل ظل في السياق !
قال الله تعالى : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ } أي : فإنما هو أمر من الله لا مثنوية فيه ولا تأكيد ، فإذا الناس قيام ينظرون ، وهو أن يأمر تعالى إسرافيلَ فينفخ في الصور نفخَة البعث ، فإذا الأولون والآخرون قيامٌ بين يَدَي الربّ عز وجل ينظرون ، كما قال : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا } [ الإسراء : 52 ] وقال تعالى : { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } [ القمر : 50 ] وقال تعالى : { وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } [ النحل : 77 ] .
قال مجاهد : { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } صيحة واحدة .
وقال إبراهيم التيمي : أشد ما يكون الرب غَضَبًا على خلقه يوم يبعثهم .
وقال الحسن البصري : زجرة من الغضب . وقال أبو مالك ، والربيع بن أنس : زجرة واحدة : هي النفخة الآخرة .
وقوله : فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ يقول تعالى ذكره : فإنما هي صَيْحة واحدة ، ونفخة تُنفَخ في الصّور ، وذلك هو الزّجْرة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال : صيحة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال : الزّجرة : النفخة في الصور .
الفاء فصيحة للتفريع على ما يفيدهُ قولهم { أإنا لمردودون في الحافرة أإذا كنا عظاماً نخرة } [ النازعات : 9 ، 10 ] من إحالتهم الحياة بعد البِلى والفناء .
فتقدير الكلام : لا عجب في ذلك فما هي إلا زجرة واحدة فإذا أنتم حاضرون في الحشر .
وضمير ( هي ) ضمير القصة وهو ضمير الشأن . واختير الضمير المؤنث ليحسن عوده إلى زجرة . وهذا من أحسن استعمالات ضمير الشأن . والقصر حقيقي مراد منه تأكيد الخبر بتنزيل السامع منزلة من يعتقد أن زجرة واحدة غير كافية في إحيائهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.