نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ} (13)

ولما كان التقدير : نعم والله لتردن يا هؤلاء ، إنما هذا الذي تقولونه كله استبعاد منكم كما أنكم مقرون بسهولته لو عقلتم ، أما من جهة القدرة فلأن الابتداء أصعب من الإعادة وأنتم مقرون بالابتداء ولأن الاستبعاد إن كان من جهة وقوع الظن بأن من{[71375]} صار تراباً يصير عوده محالاً من جهة تعذر تمييز ترابه من تراب غيره ، فتمييز{[71376]} النازع والناشط من الملائكة للروح من الجسد أصعب من ذلك بكثير ، وكذا غير هذا مما تدبره الملائكة من الأمور ، فكيف يصعب على ربهم سبحانه شيء يسهل مثله عليهم ، وأما من جهة العوائد فإن أحداً لا يدع رعية له بغير حساب أصلاً ، وأما من جهة الوعد فقد تقدم به ، وليس من شيم الكرام فضلاً عن الملوك إخلاف الوعد ولا إقرار الظلم فلا تكذبوا بها ولا تستصعبوها ، قال مسبباً عن هذا المقدر مهدداً لأصحاب الشبهة المقلدين : { فإنما هي } أي القيامة { زجرة * } أي صيحة بانتهار تتضمن الأمر بالقيام والسوق إلى المحشر والمنع من التخلف { واحدة * } عبر بالزجر وهو أشد من النهي لأنه يكون للعرض لأنها صيحة لا يتخلف عنها القيام أصلاً ، فكان كأن لسان الحال قال عن تلك الصيحة : أيها الأجساد{[71377]} البالية ! انتهي عن الرقاد ، وقومي إلى الميعاد ، بما حكمنا به من المعاد ، فقد انتهى زمان الحصاد ، وآن أوان{[71378]} الاجتناء لما قدم من الزاد ، فيا ويل من ليس له زاد !


[71375]:زيد من ظ و م.
[71376]:من م، وفي الأصل و ظ: فيتميز.
[71377]:من م، وفي الأصل و ظ: الأجسام.
[71378]:زيد من ظ.