تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (96)

يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } أي : إنهم من الضالين الغاوين أهل النار ، لا بد أن يصيروا إلى ما قدره الله وقضاه ، فلا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ، فلا تزيدهم الآيات إلا طغيانا ، وغيا إلى غيهم .

وما ظلمهم الله ، ولكن ظلموا أنفسهم بردهم للحق ، لما جاءهم أول مرة ، فعاقبهم الله ، بأن طبع على قلوبهم وأسماعهم ، وأبصارهم ، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، الذي وعدوا به .

فحينئذ يعلمون حق اليقين ، أن ما هم عليه هو الضلال ، وأن ما جاءتهم به الرسل هو الحق . ولكن في وقت لا يجدي عليهم إيمانهم شيئًا ، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ، ولا هم يستعتبون ، وأما الآيات فإنها تنفع من له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (96)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلّ آيَةٍ حَتّىَ يَرَوُاْ الْعَذَابَ الألِيمَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين وجبت عليهم يا محمد كلمة ربك ، وهي لعنته إياهم بقوله : ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ فثبتت عليهم ، يقال منه : حقّ على فلان كذا يحقّ عليه : إذا ثبت ذلك عليه ووجب .

وقوله : لا يُوءْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمُ كُلّ آيَةٍ لا يصدقون بحجج الله ، ولا يقرّون بوحدانية ربهم ولا بأنك لله رسول ، ولو جاءتهم كل آية وموعظة وعبرة فعاينوها حتى يعاينوا العذاب الأليم ، كما لم يؤمن فرعون وملؤه ، إذا حقّت عليهم كلمة ربك حتى عاينوا العذاب الأليم ، فحينئذ قال : آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ حين لم ينفعه قيله ، فكذلك هؤلاء الذين حقت عليهم كلمة ربك من قومك ، من عبدة الأوثان وغيرهم ، لا يؤمنون بك فيتبعونك إلا في الحين الذي لا ينفعهم إيمانهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : أنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ قال : حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إنّ الّذِينَ حَقّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبّكَ لا يُوءْمِنُونَ حقّ عليهم سخط الله بما عصوه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (96)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال: {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك}، يعني وجبت عليهم كلمة العذاب، يقول: أي سبقت لهم الشقاوة من الله عز وجل في علمه،

{لا يؤمنون} يعني لا يصدقون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن الذين وجبت عليهم يا محمد كلمة ربك، وهي لعنته إياهم بقوله:"ألا لَعْنَةُ اللّهِ على الظّالِمِينَ" فثبتت عليهم، يقال منه: حقّ على فلان كذا يحقّ عليه: إذا ثبت ذلك عليه ووجب.

وقوله: "لا يُؤمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمُ كُلّ آيَةٍ": لا يصدقون بحجج الله، ولا يقرّون بوحدانية ربهم ولا بأنك لله رسول، ولو جاءتهم كل آية وموعظة وعبرة فعاينوها حتى يعاينوا العذاب الأليم، كما لم يؤمن فرعون وملؤه، إذ حقّت عليهم كلمة ربك حتى عاينوا العذاب الأليم، فحينئذ قال: "آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلَ "حين لم ينفعه قيله، فكذلك هؤلاء الذين حقت عليهم كلمة ربك من قومك، من عبدة الأوثان وغيرهم، لا يؤمنون بك فيتبعونك إلا في الحين الذي لا ينفعهم إيمانهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ ربك) أي علم ربك بأحوالهم، أي من كان علمه أنه لا يؤمن وقت اختياره الكفر كقوله: (من يضلل الله فلا هادي له)

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفاراً فلا يكون غيره...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

...وفي ضمن الألفاظ التحذير من هذه الحال وبعث الكل على المبادرة إلى الإيمان والفرار من سخط الله

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم إنه تعالى لما فصل هذا التفصيل، بين أن له عبادا قضى عليهم بالشقاء فلا يتغيرون وعبادا قضى لهم بالكرامة، فلا يتغيرون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان ما مضى من هذه الآيات وما كان من طرازها قاضياً بأنه لا تغني الآيات عنهم. صرح به قوله تعالى: {إن الذين حقت} أي وجبت وثبتت {عليهم} أي بأنهم أشقياء، وعبر بالاسم المفهم للإحسان إعلاماً بأنه ما أوجب عليهم العذاب إلاّ إحساناً إليه بما يقاسي من معالجتهم وغير ذلك من الحكمة فقال: {كلمت ربك} أي المحسن إليك في جميع أمرك {لا يؤمنون} أي لا قبول لهم لتجدد الإيمان.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

والمعنى: أنه حق عليهم قضاء الله وقدره بأنهم يصرّون على الكفر، ويموتون عليه، لا يقع منهم الإيمان بحال من الأحوال، وإن وقع منهم ما صورته صورة الإيمان، كمن يؤمن منهم عند معاينة العذاب...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي إن الذين ثبتت عليهم كلمة العذاب من ربك، وهي كلمة التكوين الدالة على سنته فيمن فقدوا الاستعداد للاهتداء، لا يؤمنون لرسوخهم في الكفر والطغيان، وإحاطة خطاياهم وجهالتهم بهم من كل مكان، وإعراضهم عن آيات الإيمان، هذا معنى قوله: {لا يؤمنون} لا أنه تعالى منعهم من الإيمان منعا خلقيا قهريا لا كسب لهم فيه ولا اختيار. وهذا بمعنى الآية 33 من هذه السورة فراجع تفسيرها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وبعد فإذا كان ما جاء إلى الرسول هو الحق الذي لا مرية فيه، فما تعليل إصرار قوم على التكذيب ولجاجهم فيه؟ تعليله أن كلمة اللّه وسنته قد اقتضت أن من لا يأخذ بأسباب الهدى لا يهتدي، ومن لا يفتح بصيرته على النور لا يراه، ومن يعطل مداركه لا ينتفع بوظيفتها، فتكون نهايته إلى الضلال، مهما تكن الآيات والبينات، لأنه لا يفيد شيئاً من الآيات والبينات. وعندئذ تكون كلمة اللّه وسنته قد حقت عليهم وتحققت فيهم.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

تبين الآية حال المشركين فهم لا يؤمنون لنقص في المعجزة الكبرى، ولكن لأنهم سبقوا إلى الرد وأصروا عليه إصرارا ونفروا من الحق لا تردهم إليه معجزة، هم يطلبون معجزات مادية، ولو جاءتهم لأنكروها وتنكروا لها بعد فترة من الزمان، وقد كانت التجربة مصدقة في فرعون وملئه.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وإنما المراد بهذه الآية وما ماثلها أن هناك طائفة من الناس قد ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، فلم ينفع فيهم ترغيب ولا ترهيب، واختاروا عن عمد وإصرار طريق الهلاك والبوار، فلم يبق في قلوبهم –بعدما خيم عليها الظلام- أي منفذ للنور، وأصبحت الموعظة بالنسبة إليهم كالضرب في حديد بارد لا أثر لها ولا نفع.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

هذا القول يوضح لنا أن الحق سبحانه وتعالى قد علم علما أزليا بأنهم لن يوجهوا اختيارهم للإيمان.

فحكمه هنا لا ينفي عنهم مسئولية الاختيار، ولكنه علم الله الأزلي بما سوف يفعلون، ثم جاءوا على الاختيار فتحقق علم الله سبحانه وتعالى بهم من سلوكهم.

وحكمه سبحانه مبنيُّ على الاختيار، وهو حكم تقديري...

ولا يقولنّ أحد، إن الله يعاقب بعد أن قدّر مسبقا؛ لن تقدير الحق سبحانه نابع من علمه الأزلي، وهم كانوا يتمتعون بحق الاختيار. والله سبحانه هو القائل: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون (125)} [التوبة].