وقوله - سبحانه - : { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } حكاية لما رد به إخوة يوسف عليه .
أى قال إخوة يوسف له بعد أن أكد لهم وجوب إحضار أخيهم لأبيهم معهم : { سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } أى : سنطلب حضوره معنا من أبيه برفق ولين ومخادعة ومحايلة { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } هذه المراودة باجتهاد لا كلل ولا ملل معه وفاء لحقك علينا .
وقولهم هذا يدل دلالة واضحة على أنهم كانوا يشعرون بأن إحضار أخيهم لأبيهم معهم - وهو " بنيامين " الشقيق الأصغر ليوسف - ، ليس أمراً سهلاً أو ميسوراً ، وإنما يحتاج إلى جهد كبير مع أبيهم حتى يقنعوه بإرساله معهم .
{ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنّا لَفَاعِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم : ائْتُونِي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِيكُمْ ، قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أباهُ ونسأله أن يخليه معنا حتى نَجِيء به إليك ، وَإنّا لَفاعِلُونَ يعنون بذلك : وإنا لفاعلون ما قلنا لك أنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدن . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَإنّا لَفاعِلُونَ لنجتهدنّ .
وعْد بأن يبذلوا قصارى جهدهم في الإتيان بأخيهم وإشعار بصعُوبة ذلك . فمعنى { سنراود عنه أباه } سنحاول أن لا يشح به ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } [ سورة يوسف : 24 ] .
وجملة وإنا لفاعلون } عطف على الوعد بتحقيق الموعود به ، فهو فعل ما أمرهم به ، وأكدوا ذلك بالجملة الإسمية وحرف التأكيد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف ليوسف إذ قال لهم:"ائْتُونِي بأخٍ لَكُمْ مِنْ أبِيكُمْ"، "قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أباهُ "ونسأله أن يخليه معنا حتى نَجِيء به إليك، "وَإنّا لَفاعِلُونَ "يعنون بذلك: وإنا لفاعلون ما قلنا لك أنا نفعله من مراودة أبينا عن أخينا منه ولنجتهدن...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَإِنَّا لَفَاعِلُون} فيه وجهان:
أحدهما: وإنا لفاعلون مراودة أبيه وطلبه منه.
الثاني: وإنا لفاعلون للعود إليه بأخيهم، قاله ابن إسحاق. فإن قيل: كيف استجاز يوسف إدخال الحزن على أبيه بطلب أخيه؟ قيل عن هذا أربعة أجوبة:
أحدها: يجوز أن يكون الله عز وجل أمره بذلك ابتلاء ليعقوب ليُعظم له الثواب فاتّبع أمره فيه.
الثاني: يجوز أن يكون أراد بذلك أن ينبه يعقوب على حال يوسف.
الثالث: لتضاعف المسرة ليعقوب برجوع ولديه عليه.
والرابع: ليقدم سرور أخيه بالاجتماع معه قبل إخوته لميله إليه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
هذا حكاية ما أجاب به إخوة يوسف يوسف حين حثهم على الاتيان بأخيهم بأنهم {قالوا سنراود عنه أباه} ونحن نفعل ذلك، والمراودة: المطالبة، من قولهم راد يرود، فهو رائد أي طلب، وفلان يرتاد موضعا أي يطلبه، وفي المثل (الرائد لا يكذب اهله)، ومنه الإرادة وهي طلب الفعل بما هو كالسبب له، لأن الداعي إلى الفعل داع إلى إرادته، لأن باجتماع الأمرين يقع الفعل من عالم قادر، والفاعل: من جعل الشيء موجودا بعد أن كان معدوما...
وقال ابن اسحاق: الذي وعدوا بفعله الاجتهاد في المصير بأخيهم إليه لأنهم جوزوا أن لا يجيبهم أبوهم إلى الإرسال به معهم. وقال أبو علي: وعدوه بأن يصيروا به إليه إن أرسله أبوه معهم، فالعدة به كانت واقعة بشرط.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لما عَلِمَ يوسفُ من حالهم أنهم باعوه بثمنٍ بَخْسٍ عَلِمَ أنهم يأتونه بأخيهم طمعاً في إيفاء الكيل، فلن يَصْعُبَ عليهم الإتيان به...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{سنراود عَنْهُ أَبَاهُ} سنخادعه عنه، وسنجتهد ونحتال حتى ننتزعه من يده {وَإِنَّا لفاعلون} وإنا لقادرون على ذلك لا نتعانى به، أو وإنا لفاعلون ذلك لا محالة لا نفرط فيه ولا نتوانى...
ثم إنهم لما سمعوا هذا الكلام من يوسف قالوا: {سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون} أي سنجتهد ونحتال على أن ننزعه من يده، وإنا لفاعلون هذه المراودة، والغرض من التكرير التأكيد، ويحتمل أن يكون {وإنا لفاعلون} أن نجيئك به، ويحتمل {وإنا لفاعلون} كل ما في وسعنا من هذا الباب...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فما قالوا؟ فقيل: {قالوا سنراود} أي بوعد لا خلف فيه حين نصل {عنه أباه} أي نكلمه فيه وننازعه الكلام ونحتال عليه فيه، ونتلطف في ذلك، ولا ندع جهداً؛ ثم أكدوا ذلك -بعد الجملة الفعلية المصدرة بالسين- بالجملة الإسمية المؤكدة بحرفي التأكيد، فقالوا: {وإنا لفاعلون} أي ما أمرتنا به والتزمناه، وقد مضى عند {وراودته} أن المادة... تدور على الدوران، ومن لوازمه القصد والإقبال والإدبار والرفق والمهلة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ف {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} دل هذا على أن يعقوب عليه السلام كان مولعا به لا يصبر عنه، وكان يتسلى به بعد يوسف، فلذلك احتاج إلى مراودة في بعثه معهم {وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} لما أمرتنا به...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهم الأصغر -وبخاصة بعد ذهاب يوسف- فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورا، وإنما في طريقه عقبات من ممانعة أبيهم، وأنهم سيحاولون إقناعه، مع توكيد عزمهم -على الرغم من هذه العقبات- على إحضاره معهم حين يعودون...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.