القول في تأويل قوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ * وَالّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآياتِنَا فَأُوْلََئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ } .
يقول تعالى ذكره : السلطان والمُلك إذا جاءت الساعة لله وحده لا شريك له ولا ينازعه يومئذ منازع وقد كان في الدنيا ملوك يُدعون بهذا الاسم ولا أحد يومئذ يدعي ملكا سواه . يَحْكُمُ بَيْنهُمْ يقول : يفصل بين خلقه المشركين به والمؤمنين . فالّذين آمَنُوا بهذا القرآن ، وبمن أنزله ، ومن جاء به ، وعملوا بما فيه من حلاله وحرامه وحدوده وفرائضه في جَنّاتِ النعيم يومئذ . والّذِينَ كَفَرُوا بالله ورسوله ، وكَذّبُوا بآيَات كتابه وتنزيله ، وقالوا : ليس ذلك من عند الله ، إنما هو إفك افتراه محمد وأعانه عليه قوم آخرون فأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول : فالذين هذه صفتهم لهم عند الله يوم القيامة عذاب مهين ، يعني عذاب مذلّ في جهنم .
افتتح الخبر عن الذين كفروا باسم الإشارة في قوله { فأولئك لهم عذاب مهين } للتنبيه على أنهم استحقوا العذاب المُهين لأجل ما تقدم من صفتهم بالكفر والتكذيب بالآيات .
والمُهين : المذل ، أي لهم عذاب مشتمل على ما فيه مذلتهم كالضرب بالمقامع ونحوه .
وقرن { فأولئك لهم عذاب مهين } بالفاء لما تضمنه التقسيم من معنى حرف التفصيل وهو ( أما ) ، كأنه قيل : وأما الذين كفروا ، لأنه لما تقدم ثواب الذين آمنوا كان المقام مثيراً لسؤال من يترقب مقابلة ثواب المؤمنين بعقاب الكافرين وتلك المقابلة من مواقع حرف التفصيل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{والذين كفروا} بتوحيد الله {وكذبوا بئاياتنا} بالقرآن بأنه ليس من الله عز وجل {فأولئك لهم عذاب مهين}، يعني: الهوان.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 56]
يقول تعالى ذكره: السلطان والمُلك إذا جاءت الساعة لله وحده لا شريك له ولا ينازعه يومئذ منازع، وقد كان في الدنيا ملوك يُدعون بهذا الاسم ولا أحد يومئذ يدعي ملكا سواه.
"يَحْكُمُ بَيْنهُمْ" يقول: يفصل بين خلقه المشركين به والمؤمنين. "فالّذين آمَنُوا" بهذا القرآن، وبمن أنزله، ومن جاء به، وعملوا بما فيه من حلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، "في جَنّاتِ النعيم" يومئذ.
"والّذِينَ كَفَرُوا" بالله ورسوله، "وكَذّبُوا بآيَات" كتابه وتنزيله، وقالوا: ليس ذلك من عند الله، إنما هو إفك افتراه محمد وأعانه عليه قوم آخرون، "فأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" يقول: فالذين هذه صفتهم لهم عند الله يوم القيامة عذاب "مهين"، يعني عذاب مذلّ في جهنم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"والذين كفروا" أي: جحدوا ذلك "وكذبوا" بآيات الله، فإن لهم عذابا مهينا، يهينهم ويذلهم. والهوان: الإذلال بتصغير القدر، ومثله الاستخفاف والاحتقار.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وقابل النعيم بالعذاب ووصفه بالمهين مبالغة فيه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{والذين كفروا} أي غطوا ما أعطيناهم من المعرفة بالأدلة على وحدانيتنا {وكذبوا بآياتنا} ساعين -بما أعطيناهم من الفهم في تعجيزها بالمجادلة بما يوحي إليهم أولياؤهم من الشياطين من الشبه، وقرن الخبر بالفاء إيذاناً بأنه مسبب عن كفرهم فقال: {فأولئك} أي البعداء عن أسباب الكرم {لهم عذاب مهين} بسبب ما سعوا في إهانة آياتنا مريدين إعزاز أنفسهم بمغالبتها والتكبر عن اتباعها.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{فَأُوْلَئِكَ} إشارةٌ إلى الموصولِ باعتبار اتِّصافِه بما في حيِّز الصِّلةِ من الكفر والتَّكذيبِ وما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببعد منزلتهم في الشَّرِّ والفساد أي أولئك الموصُوفون بما ذُكر من الكفر والتَّكذيبِ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
افتتح الخبر عن الذين كفروا باسم الإشارة في قوله {فأولئك لهم عذاب مهين} للتنبيه على أنهم استحقوا العذاب المُهين لأجل ما تقدم من صفتهم بالكفر والتكذيب بالآيات. والمُهين: المذل، أي لهم عذاب مشتمل على ما فيه مذلتهم كالضرب بالمقامع ونحوه.
وهؤلاء هم الجبابرة وأصحاب السيادة في دنيا الكفر والعناد، والذين حكم الله عليهم بالعذاب الذي يهينهم بعد عزتهم وسلطانهم في الدنيا، وتلحظ أن العذاب يوصف مرة بأنه أليم، ومرة بأنه عظيم، ومرة بأنه مهين. فالعذاب الأليم الذي يؤلم صاحبه، لكنه قد يكون لفترة ثم ينتهي، أما العذاب العظيم فهو الدائم، والمهين هو الذي يذله ويدوس كرامته التي طالما اعتز بها، وأنت تجد الناس يختلفون في تقبل ألوان العذاب: فمنهم من لا يؤثر فيه الضرب الموجع ولا يحركه، لكن تؤلمه كلمة تجرح عزته وكرامته. لذلك جاء العذاب هكذا ألوانا، ليستوعب كل صنوف الملكات النفسية، ويواجه كل نفس بما يؤلمها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وممّا يلفت النظر أنّ القرآن المجيد أشار في حديثه عن المؤمنين إلى أمرين «الإيمان» و «العمل الصالح»، وفي المقابل أشار في حديثه عن الكافرين إلى «الكفر» و «التكذيب بآيات الله»، وهذا يعني أنّ كلا منهما متركّب من اعتقاد داخلي وأثر خارجي يبرز في عمل الإنسان، حيث إنّ لكلّ عمل إنساني أساساً فكرياً...