مصبحين ، وبالليل ، داخلين في الصباح والمساء ، أي نهارا وليلا .
137- 138- { وإنكم لتمرون عليهم مصبحين* وبالليل أفلا تعقلون } .
وكان أهل مكة يسيرون في تجارتهم إلى الشام ، ويمرون على سدوم في طريقهم ، فلفت القرآن أنظارهم إلى أنهم يمرون على هذه القرية صباحا أو مساء أفلا تتعظون بهم ، وتستخدمون عقولكم ، في أن هؤلاء هلكوا بسبب مخالفة رسولهم ، وعدم إيمانهم بربهم ، وأنتم تفعلون نفس فعلهم ، وتستحقون مثل هذه العقوبة ، أو تبادروا بالتوبة على الله تعالى ، والإيمان برسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى غزوة تبوك على مشارف الروم ، ومرّ بالطريق على قرية ثمود ، فحنى رأسه ، واستحث راحلته ، وأسرع في السير ، وقال لأصحابه : " لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم ، إلا وأنتم مشفقون{[553]} أن يصيبكم ما أصابهم " {[554]} .
وقد قال صلى الله عليه وسلم " ملعون من عَمِل عمل قوم لوط " {[555]} .
وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يستحي من الحق ، لا تجامعوا النساء في حشاشتهن " {[556]} أي : في أدبارهن ، وقد حرم الإسلام جماع المرأة في دبرها ، وحرّم الإسلام المثلية الجنسية ، وهي استغناء الرجال بالرجال ، واستغناء النساء بالنساء ، لأن ذلك شذوذ جنسي ، وخروج على فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فالله عز وجل خلق الزوجين الذكر والأنثى ، في النّبات والحيوان والإنسان ، وعن طريق التلقيح بين الذكر والأنثى يتم الإخصاب والتوالد ، وتعمر الأرض ، ويتم التناسل ، كما خلق الله صدْر الرجل وصدْر الأنثى بصورة يتم معها التقابل والإمتاع ، والمودة والرحمة ، والاستمتاع الحلال .
قال صلى الله عليه وسلم : " في بضع أحدكم صدقة " فقلنا : يا رسول الله ، يأتي أحدنا شهوته فيكون له ثواب ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه عقاب " قلنا : نعم ، قال : " فكذلك لو وضعها في حلال كان له ثواب " {[557]} .
إن أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان ذاقت العلقم من جراء الإيدز ، وعادت هذه البلاد إلى التحذير من العلاقة الجنسية غير المشروعة طلبا للوقاية من نقل الأمراض ، وقد سبق الإسلام حين حرّم الزنا ، وحث على العفة والاستقامة ، وشجع الزواج الحلال ، وبناء الأسرة والعشرة بالمعروف ، وكل ما من شأنه إسعاد الرجل والمرأة ، وإقامة أسرة سعيدة آمنة مطمئنة نفسيا وجنسيا وسلوكيا وأخلاقيا ودينيا ، تتمتع بالمودة والرحمة والألفة والانسجام .
قال تعالى : { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة عن ذلك لآيات لقوم يتفكرون } . [ الروم : 21 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لتمرون عليهم مصبحين} على القرى نهارا وليلا وغدوة وعشية، إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرّون على قوم لوط الذين دمّرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل... عن قتادة "وَإنّكُمْ لَتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ "قالوا: نعم والله صباحا ومساء يطؤونها وطْئا، مَن أخَذَ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط...
وقوله: "أفَلا تَعْقِلُونَ" يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكّرون، فتعلمون أن من سلك من عباد الله في الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل بهم من عقوبة الله، مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله، وتكذيب رسوله، فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله، وتكذيب محمد عليه الصلاة والسلام.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على آثارهم ومنازلهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
توبيخ من الله للكفار الذين عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله) وتعنيف لهم على ترك اعتبارهم وإيقاظهم بمواضع هؤلاء الذين أهلكهم الله ودمر عليهم مع كثرة مرورهم عليها صباحا ومساء وليلا ونهارا وفي كل وقت. ومن كثر مرورهم بمواضع العبرة فلم يعتبر كان ألوم ممن قل ذلك منه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
خاطب تعالى قريشاً، أو هو على معنى قل لهم يا محمد {وإنكم لتمرون عليهم}.
ذلك لأن القوم كانوا يسافرون إلى الشام والمسافر في أكثر الأمر إنما يمشي في الليل وفي أول النهار، فلهذا السبب عين تعالى هذين الوقتين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المقصود من مثل هذا تحذير المخالفين، وكان تجار قريش يرون البقعة التي كانت فيها أماكن قوم لوط، وهي البحيرة المعروفة، ولا يعتبرون بهم، عدّوا منكرين للمرور عليهم فأبرز لهم الكلام في سياق التأكيد فقيل: {وإنكم} أي فعلنا بهم هذا والحال أنكم يا معشر قريش.
{مصبحين} أي داخلين في الصباح الوقت الذي قلبنا مدائنهم عليهم فيه، ونص عليه للتذكير بحالهم فيه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المرور: مجاوزة السائر بسيره شيئاً يتركه، والمراد هنا: مرورهم في السفر، وكان أهل مكة إذا سافروا في تجارتهم إلى الشام يمرّون ببلاد فلسطين فيمرون بأرض لوط على شاطئ البحر الميّت المسمّى بُحيرة لوط.
الخبر الذي في قوله: {وإنكم لتمُرُّون عليهم} مستعمل في الإِيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإِخبار، وتأكيدُه بحرف التوكيد وباللام تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه.
ثم يُذكّرنا الحق سبحانه بأن القصة في القرآن لا تُسَاق للتسلية، إنما تُساق للعبرة والعظة، فيقول: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} أي: على آثارهم في سدوم {مُّصْبِحِينَ} في الصباح.
ولما كان المقصود من مثل هذا تحذير المخالفين ، وكان تجار قريش يرون البقعة التي كانت فيها أماكن قوم لوط ، وهي البحيرة المعروفة ، ولا يعتبرون بهم ، عدّوا منكرين للمرور عليهم فأبرز لهم الكلام في سياق التأكيد فقيل : { وإنكم } أي فعلنا بهم هذا والحال أنكم يا معشر قريش { لتمرون عليهم } أي مواضع ديارهم في تجاراتكم إلى الشام { مصبحين * } أي داخلين في الصباح الوقت الذي قلبنا مدائنهم عليهم فيه ، ونص عليه للتذكير بحالهم فيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.