جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالٗا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلۡأَشۡرَارِ} (62)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىَ رِجَالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مّنَ الأشْرَارِ } : يقول تعالى ذكره : قال الطاغون الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هذه الاَيات ، وهم فيما ذُكر أبو جهل والوليد بن المُغيرة وذووهما : ما لَنا لا نَرَى رِجالاً يقول : ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ يقول : كنا نعدّهم في الدنيا من أشرارنا ، وعنوا بذلك فيما ذُكر صُهَيْبا وخَبّابا وبِلالاً وسَلْمان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ) قال : ذاك أبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة ، وذكر أناسا صُهيبا وَعمّارا وخبّابا ، كنّا نعدّهم من الأشرار في الدنيا .

حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت ليثا يذكر عن مجاهد في قوله : ( وَقالُوا ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأَشْرارِ ) قال : قالوا : أي سَلْمان ؟ أين خَبّاب ؟ أين بِلال ؟ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُواْ مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالٗا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلۡأَشۡرَارِ} (62)

عطف على { هذا فوجٌ مُقتحمٌ معكُم } [ ص : 59 ] على ما قدّر فيه من فعلِ قَول محذوفٍ كما تقدم ، فهذا من قول الطاغين فإنهم الذين كانوا يحقِّرون المسلمين .

والاستفهام في { ما لنا لا نرى رِجالاً } استفهام يلقيه بعضهم لبعض تلهّفاً على عدم رؤيتهم من عرفوهم من المسلمين مكنًّى به عن ملام بعضهم لبعض على تحقيرهم المسلمين واعترافهم بالخطأ في حسبانهم . فليس الاستفهام عن عدم رؤيتهم المسلمين في جهنم استفهاماً حقيقياً ناشئاً عن ظن أنهم يجدون رجال المسلمين معهم إذ لا يخطر ببال الطاغين أن يكون رجال المسلمين معهم ، كيف وهم يعلمون أنهم بضد حالهم فلا يتوهمونهم معهم في العذاب ، ويجوز أن يكون الاستفهام حقيقياً استفهموا عن مصير المسلمين لأنهم لم يروهم يومئذٍ ، إذ قد علموا أن الناس صاروا إلى عالَم آخر وهو الذي كانوا يُنذرون به ، ويكون قولهم : { ما لنا لا نرى رِجالاً } الخ تمهيداً لقولهم : { أتخذناهم سخرِيّاً } على كلتا القراءتين الآتي ذكرهما .

و { الأشرار } : جمع شرَ الذي هو بمعنى الأشر ، مثل الأخيار جمع خَيْر بمعنى الأَخْيَر ، أو هو : جمع شِرِّير ضد الخيِّر ، أي الموصوفين بشر الحالة ، أي كُنا نحسبهم أشقياء قد خسروا لذة الحياة باتّباعهم الإِسلام ورضاهم بشظف العيش ، وهم يعنون أمثال بلال ، وعمار بن ياسر ، وصهيب ، وخباب ، وسلمان . وليس المراد أنهم يعدونهم أشراراً في الآخرة مستحقين العذاب فإنهم لم يكونوا يؤمنون بالبعث .