وقوله - سبحانه - : { قَالَ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين } بيان للحكم العادل الذي أصدره الله - تعالى - على إبليس .
والضمير في قوله : { منها } يعود إلى السماء لأنها مسكن الطائعين الأخيار ، أو إلى الجنة لأنها لا يسكنها إلا من أطاع الله - تعالى - ، أو إلى المنزلة التي كان فيها قبل طرده من رحمة الله .
. أى : قال الله - تعالى - لإِبليس على سبيل الزجر والتحقير : فاخرج من جنتى ومن سمائى فإنك { رجيم } مطرود من كل خير وكرامة ، وإن عليك اللعنة والإِبعاد من رحمتى إلى يوم الدين ، وهو يوم الحساب والجزاء .
وليس المراد أن تنقطع عنه اللعنة يوم الدين ، بل المراد أن هذه اللعنة مستمرة عليه إلى يوم الدين ، فإذا ما جاء هذا اليوم استمرت هذه اللعنة ، وأضيف إليها العذاب الدائم المستمر الباقى ، بسبب عصيانه لأمر ربه ، فذكر يوم الدين ، إنما هو للمبالغة في طول مدة هذه اللعنة ودوامها ما دامت الحياة الدنيا .
الضمير في { منها } للجنة ، وإن لم يجر ذكرها في القصة تتضمنها ، ويحتمل أن يعود الضمير على ضيفة الملائكة ، وال { رجيم } المشتوم أي المرجوم بالقول والشتم ، و { يوم الدين } يوم الجزاء ، ومنه قول الشاعر :
ولم يبق سوى العدوا . . . ن دناهم كما دانوا{[7170]}
وسأل إبليس «النظرة إلى يوم البعث » فأعطاه الله إياها إلى «وقت معلوم » ، واختلف فيه فقيل إلى يوم القيامة أي يكون آخر من يموت من الخلق ، قاله الطبري وغيره وقيل إلى وقت غير معين ولا مرسوم بقيامة ولا غيرها ، بل علمه عند الله وحده ، وقيل بل أمره كان إلى يوم بدر وأنه قتل يوم بدر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان روي فهو ضعيف ، والمنظر المؤخر .
عطفت جملة أمره بالخروج بالفاء لأن ذلك الأمر تفرع على جوابه المُنبىء عن كفره وعدم تأهله للبقاء في السماوات .
والفاء في { فإنك رجيم } دالّة على سبب إخراجه من السماوات . و ( إنّ ) مؤذنة بالتعليل . وذلك إيماء إلى سبب إخراجه من عوالم القدس ، وهو ما يقتضيه وصفه بالرجيم متلوث الطوية وخبث النفس ، أي حيث ظهر هذا فيك فقد خبثت نفسك خبثاً لا يرجى بعده صلاح فلا تَبقى في عالم القدس والنزاهة .
والرجيم : المطرود . وهو كناية عن الحقارة . وتقدم في أول هذه السورة { وحفظناها من كل شيطان رجيم } [ سورة الحجر : 17 ] .
وضمير { منها } عائد إلى السماوات وإن لم تذكر لدلالة ذكر الملائكة عليها . وقيل : إلى الجنة . وقد اختلف علماؤنا في أنها موجودة .
و { اللعنة } : السّبّ بالطرد . و ( على ) مستعملة في الاستعلاء المجازي ؛ وهو تمكن اللعنة والشتم منه حتى كأنه يقع فوقه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قال فاخرج منها}، يعني: من ملكوت السماء، {فإنك رجيم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
والرجيم: المرجوم... وهو المشتوم... عن قتادة:"فإنّكَ رَجِيمٌ"، والرجيم: الملعون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: اخرج من السماء إلى الأرض...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
...ويقال: إن إبليس ملعون السماء والأرض، وإن أهل السماء يلعنونه، كما أن أهل الأرض يلعنونه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{رَّجِيمٍ} شيطان من الذين يرجمون بالشهب، أو مطرود من رحمة الله؛ لأن من يطرد يرجم بالحجارة.
{قال فاخرج منها فإنك رجيم} فهذا ليس جوابا عن تلك الشبهة على سبيل التصريح، ولكنه جواب عنها على سبيل التنبيه. وتقريره أن الذي قاله الله تعالى نص، والذي قاله إبليس قياس، ومن عارض النص بالقياس كان رجيما ملعونا. وتمام الكلام في هذا المعنى ذكرناه مستقصى في سورة الأعراف...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول آمرًا لإبليس أمرًا كونيًّا لا يخالف ولا يمانع، بالخروج من المنزلة التي كان فيها من الملأ الأعلى...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فبماذا أجيب؟ فقيل: {قال فاخرج} أي تسبب عن كبرك أني أقول لك: اخرج {منها} أي من دار القدس، قيل: السماء، وقيل: الجنة {فإنك رجيم} أي مطرود إذ الرجم لا يكون إلا لمن هو بعيد يراد الزيادة في إبعاده بل إهلاكه، وعلة الإخراج أنها دار لا يقيم بها متكبر عاصٍ بمخالفة أمري، فإن لي الحكم النافذ والعظمة التامة المقتضية لوجوب الطاعة، لا ينبغي لمن أمرته بما مر أن يتخلف عن أمري فضلاً عن أن يضرب لي الأمثال، ويواجهني بالجدال، طاعناً فيما لي من الجلال والجمال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطفت جملة أمره بالخروج بالفاء لأن ذلك الأمر تفرع على جوابه المُنبئ عن كفره وعدم تأهله للبقاء في السماوات، والفاء في {فإنك رجيم} دالّة على سبب إخراجه من السماوات، و (إنّ) مؤذنة بالتعليل، وذلك إيماء إلى سبب إخراجه من عوالم القدس، وهو ما يقتضيه وصفه بالرجيم متلوث الطوية وخبث النفس، أي حيث ظهر هذا فيك فقد خبثت نفسك خبثاً لا يرجى بعده صلاح، فلا تَبقى في عالم القدس والنزاهة. والرجيم: المطرود، وهو كناية عن الحقارة. وتقدم في أول هذه السورة {وحفظناها من كل شيطان رجيم} [سورة الحجر: 17]... و {اللعنة}: السّبّ بالطرد. و (على) مستعملة في الاستعلاء المجازي؛ وهو تمكن اللعنة والشتم منه حتى كأنه يقع فوقه.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.