التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ} (34)

وقوله - سبحانه - : { يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } بدل مما قبله وهو قوله { فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة } والفرار : الهروب من أجل التخلص من شئ مخيف

والمعنى : يوم يقوم الناس من قبورهم للحساب والجزاء يكونون فى كرب عظيم ، يجعل الواحد منهم ، يهرب من أخيه الذى هو من ألصق الناس به ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ} (34)

( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) أي : يراهم ، ويفر منهم ، ويبتعد عنهم ؛ لأن الهول عظيم ، والخطب جليل .

قال عكرمة : يلقى الرجل زوجته فيقول لها : يا هذه ، أيّ بعل كنتُ لك ؟ فتقول : نعم البعل كنتَ ! وتثنى بخير ما استطاعت ، فيقول لها : فإني أطلبُ إليك اليومَ حسنًة واحدًة تهبينها{[29718]} لي لعلي أنجو مما ترين . فتقول له : ما أيسر ما طلبتَ ، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف . قال : وإن الرجل ليلقي ابنه فيتعلق به فيقول : يا بني ، أيّ والد كنتُ لك ؟ فيثني بخير . فيقولُ له : يا بني ، إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى . فيقول ولده : يا أبت ، ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف ، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا . يقول الله تعالى ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )

وفي الحديث الصحيح - في أمر الشفاعة - : أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق ، يقول : نفسي نفسي ، لا أسأله اليومَ إلا نفسي ، حتى إن عيسى ابن مريم يقول : لا أسأله اليوم إلا نفسي ، لا أسأله مريم التي ولدتني . ولهذا قال تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ) {[29719]} .

قال قتادة : الأحب فالأحبَ ، والأقرب فالأقربَ ، من هول ذلك اليوم .


[29718]:- (3) في أ: "تهبيها".
[29719]:- (1) أحاديث الشفاعة سبقت عند تفسير أول سورة الإسراء.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ} (34)

قوله : يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ يقول : فإذا جاءت الصاخة ، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه . ويعني بقوله : يفرّ من أخيه : يفرّ عن أخيه وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وَبَنِيهِ حَذِرا من مطالبتهم إياه ، بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم .

وقال بعضهم : معنى قوله : يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ : يفرّ عن أخيه لئلا يراه ، وما ينزل به ، لكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يعين من الرجل وأخيه وأمه وأبيه ، وسائر من ذُكر في هذه الاَية يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة شأْنٌ يُغْنِيهِ يقول : أمر يغنيه ، ويُشغله عن شأن غيره ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ أفضي إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس .

حدثنا أبو عمارة المَرْوَزِيّ الحسين بن حُريث ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس قال : سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به ، قال : «إنْ كانَ عِنْدي مِنْهُ عِلْمٌ » قالت : يا نبيّ الله ، كيف يُحْشرُ الرجالُ ؟ قال : «حُفاةً عُرَاةً » . ثم انتظرت ساعة فقالت : يا نبيّ الله كيف يُحْشر النساء ؟ قال : «كَذلكَ حُفاةً عُرَاةً » . قالت : واسوءَتاه من يوم القيامة قال : «وَعَنْ ذلكَ تسألِينِي ، إنّهُ قَدْ نَزَلَتْ عليّ آيَةٌ لا يَضُرّكِ كانَ عَلَيْكِ ثِيابٌ أمْ لا » ، قالت : أيّ آية هي يا نبيّ الله ؟ قال : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قول الله : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ قال : شأن قد شغله عن صاحبه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ} (34)

ثم ذكر تعالى فرار المرء من القوم الذين معهودهم أن لا يفر عنهم في الشدائد ، ثم رتبهم تعالى الأول فالأول محبة وحنواً ، وقرأ أبو إياس جؤية{[11634]} «من أخيهُ وأمهُ وأبيهُ » بضم الهاء في كلها ، وقال منذر بن سعيد وغيره : هذا الفرار هو خوف من أن يتبع بعضهم بعضاً بتبعات إذ الملابسة تعلق المطالبة ، وقال جمهور الناس : إنما ذلك لشدة الهول على نحو ما روي أن الرسل تقول يومئذ نفس نفسي لا أسألك غيري{[11635]}


[11634]:هو جؤية بن عائذ، أبو إياس. وقد ذكر اسمه لكثرة من عرف بأبي إياس.
[11635]:جاء ذلك في حديث الشفاعة، وهو حديث متفق عليه، وسبق لنا تخريجه في أكثر من موضع من هذا التفسير، وفيه أن الناس يجتمعون في صعيد واحد يوم القيامة، وتدنو الشمس، ويبلغ الناس من الغم والكرب مالا يطيقون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم؟ فيذهبون إلى آدم ويطلبون منه أن يشفع للناس، فيقول: (إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري)، فيذهبون إلى الأنبياء جميعا واحدا بعد واحد، وكل نبي يقول نفسي نفسي. إلى أن يذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها.. الحديث.