التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

ثم ذكر - سبحانه - الدليل الثالث على إمكانية البعث ، وعلى كمال قدرته - تعالى - فقال : { أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } .

أى : وأخبرونى - أيضا - عن الماء الذى تشربونه ، أأنتم الذين أنزلتموه من { المزن } أى : من السحاب أم نحن الذين أنزلناه ؟

لا شك أننا نحن الذين أنزلناه ، ولا تستطيعون إنكار ذلكن لأن إنكاركم لذلك يعتبر نوعا من المكابرة المكشوفة ، والمغالطة المفضوحة .

وتخصيص هذا الوصف ، وهو { الذي تَشْرَبُونَ } بالذكر ، مع كثرة منافع الماء ، لأن الشرب أهم المقاصد التى من أجلها أنزل - سبحانه - الماء من السحاب .

وقوله - سبحانه - : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً . . } بيان لمظهر من مظاهر رحمته - سبحانه - .

ومفعولى المشيئة هنا وفى ما قبله إلى قوله { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . . } محذوف ، للاكتفاء عنه بجواب الشرط .

والماء الأجاج : هو الماء الشديد الملوحة والمرارة فى وقت واحد .

أى : لو نشاء أن نجعل هذا الماء النازل من المزن لشربكم ، ماء جامعا بين الملوحة والمرارة لفعلنا ، ولكنا لم نشأ ذلك رحمة بكم ، وفضلا منا عليكم .

وقوله : { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } حض على الشكر لله - تعالى - أى : فهلا شكرتم الله - تعالى - على هذه النعم ، وأخلصتم له العبادة والطاعة ووضعتم نعمه فى مواضعها .

فالمراد بالشكر هنا : أن يواظب العبد على شكر ربه ، وعلى المداومة على ما يرضيه وعلى استعمال النعم فيما خلقت له .

أما شكر الرب - عز وجل - لعبده فمعناه : منحه الثواب الجزيل ، على عمله الصالح : ومنه قوله - تعالى - : { وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ الله شَاكِرٌ عَلِيمٌ } قال بعض العلماء : واعلم أن مادة الشكر تتعدى إلى النعمة تارة ، وإلى النعم أخرى .

فإن عديت إلى النعمة ، تعدت إليها بنفسها دون حرف الجر ، كقوله - تعالى - : { رَبِّ أوزعني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ . . . } وإن عديت إلى المنعم تعدت إليه بحرف الجر الذى هو اللام ، كقوله - تعالى - : { واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ . . . } وقال - سبحانه - هنا : { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً } وقال فى الآيات السابقة : { لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً . . } بلام التأكيد ، لأن إنزال الماء من السماء وتحويله من ماء عذب إلى ماء ملح ، مما لا يتوهم أن لأحد قدرة عليه سوى الله - تعالى - لذا لم يحتج الأمر إلى تأكيد . . .

أما جفاف الزرع بعد نضارته ، حتى يعود حطاما ، فمما يحتمل أنه من فعل الزارع ، أو لأى سبب آخر ، كآفة زراعية ، لذا أكد - سبحانه - أنه هو الفاعل لذلك على الحقيقة ، وأنه - تعالى - قادر على تحطيمه بعد نموه وريعانه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

57

( أفرأيتم الماء الذي تشربون ? أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ? لو نشاء جعلناه أجاجا . فلولا تشكرون ) !

وهذا الماء أصل الحياة ، وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله . ما دور الإنسان فيه ? دوره أنه يشربه .

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

هذا على طريقة قوله : { أفرأيتم ما تحرثون } [ الواقعة : 63 ] الآية ، تفريعاً واستفهاماً ، وفعلَ رؤية .

ومناسبةُ الانتقال أن الحرث إنما ينبت زرعه وشجره بالماء فانتقل من الاستدلال بتكوين النبات إلى الاستدلال بتكوين الماء الذي به حياة الزرع والشجر . ووصفُ { الماء } ب { الذي تشربون } إدماجٌ للمنة في الاستدلال ، أي الماء العذب الذي تشربونه ، فإن شرب الماء من أعظم النعم على الإنسان ليقابَل بقوله بعده : { لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون } [ الواقعة : 70 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلۡمَآءَ ٱلَّذِي تَشۡرَبُونَ} (68)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون، ءأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الأرض، أم نحن منزلوه لكم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{أفرأيتم الماء الذي تشربون} {أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} يذكر نعمه عليهم بما أنزل إليهم من الماء العذب، فيشربون...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

(أفرأيتم) هذا مذكور للتنبيه على ما فيه من الدليل...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

خصه بالذكر لأنه ألطف وأنظف

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أفرءيتم} أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهنا عليه مما مضى في المطعم وغيره، أفرأيتم {الماء} ولما كان منه ما لا يشرب، وكانت النعمة في المشروب أعظم، قال واصفاً له بما أغنى عن وصفه بالعذوبة، وبين موضع النعمة التي لا محيد عنها فقال: {الذي تشربون}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا على طريقة قوله: {أفرأيتم ما تحرثون} [الواقعة: 63] الآية، تفريعاً واستفهاماً، وفعلَ رؤية.

ومناسبةُ الانتقال أن الحرث إنما ينبت زرعه وشجره بالماء فانتقل من الاستدلال بتكوين النبات إلى الاستدلال بتكوين الماء الذي به حياة الزرع والشجر. ووصفُ {الماء} ب {الذي تشربون} إدماجٌ للمنة في الاستدلال، أي الماء العذب الذي تشربونه، فإن شرب الماء من أعظم النعم على الإنسان ليقابَل بقوله بعده: {لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون} [الواقعة: 70].