التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡكَٰفِرِينَ عَرۡضًا} (100)

ثم بين - سبحانه - ما أعده للكافرين من عذاب يوم القيامة فقال : { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } وقوله : { وعرضنا } . . أى : أظهرنا وأبرزنا يقال : عرض القائد جنده إذا أظهرهم ليشاهدهم الناس .

أى : جمعنا الخلائق يوم البعث والنشور جمعا تاما كاملا . وأبرزنا وأظهرنا جهنم فى هذا اليوم للكافرين إبرازا هائلا فظيعا ، حيث يرونها ويشاهدونها بدون لبس أو خفاء ، فيصيبهم ما يصيبهم من رعب وفزع عند مشاهدتها .

وتخصيص العرب بهم ، مع أن غيرهم - أيضا - يراها ، لأنها ما عرضت إلا من أجلهم ، ومن أجل أمثالهم ممن فسقوا عن أمر ربهم .

ويرى بعضهم أن اللام فى { للكافرين } بمعنى على ، لأن العرض يتعدى بها ، قال - تعالى - : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار . . } وقال - سبحانه - : { النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً . . . } ثم وصفهم - سبحانه - بما يدل على استحقاقهم دخول النار فقال : { الذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي } .

أى : أبرز جهنم فى هذا اليوم العصيب للكافرين الذين كانت أعينهم فى الدنيا فى { غطاء } كثيف وغشاوة غليظة ، { عن ذكرى } أى : عن الانتفاع بالآيات التى تذكرهم بالحق ، وتهديهم إلى الرشاد ، بسبب استحواذ الشيطان عليهم .

وفى التعبير بقوله : { غطاء } إشعار بأن الحائل والساتر الذى حجب أعينهم عن الإِبصار ، كان حائلا شديدا ، إذ الغطاء هو ما يغطى الشئ ويستره من جميع جوانبه .

والمراد بالذكر : القرآن الكريم ، أو ما يشمله ويشمل كل ما فى الكون من آيات يؤدى التفكر فيها إلى الإِيمان بالله - تعالى - .

وقوله : { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } صفة أخرى من صفاتهم الذميمة ، أى : وكانوا فى الدنيا - أيضا - لا يستطيعون سمعا للحق أو الهدى ، بسبب إصرارهم على الباطل ، وإيغالهم فى الضلال والعناد ، بخلاف الأصم فإنه قد يستطيع السماع إذا صيح به .

قال الآلوسى : فالجملة الكريمة نفى لسماعهم على أتم وجه ، ولذا عدل عن : وكانوا صما مع أنه أخصر ، لأن المراد أنهم مع ذلك كفاقدى السمع بالكلية وهو مبالغة فى تصوير إعراضهم عن سماع ما يرشدهم إلى ما ينفعهم بعد تصوير تعاميهم عن الآيات المشاهدة بالأبصار . . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡكَٰفِرِينَ عَرۡضًا} (100)

وقوله : وعَرَضْنا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ للكافِرِينَ عَرْضا يقول : وأبرزنا جهنم يوم ينفخ في الصور ، فأظهرناها للكافرين بالله ، حتى يروها ويعاينوها كهيئة السراب ولو جعل الفعل لها قيل : أعرضت إذا استبانت ، كما قال عمرو بن كلثوم :

وأعْرَضَتِ اليَمامَةُ واشْمَخَرّتْ *** كأسْيافٍ بأيْدِي مُصْلِتِينا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله ، قال : يقوم الخلق لله إذا نفخ في الصور ، قيام رجل واحد ، ثم يتمثّل الله عزّ وجلّ فما يلقاه أحد من الخلائق كان يعبد من دون الله شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه ، قال : فيلقى اليهود فيقول : من تعبدون ؟ قال : فيقولون : نعبد عُزَيرا ، قال : فيقول : هل يسركم الماء ؟ فيقولون نعم ، فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ، ثم قرأ وَعَرَضْنا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ للكافِرِينَ عَرْضا ثم يلقى النصارى فيقول : من تعبدون ؟ فيقولون : نعبد المسيح ، فيقول : هل يسركم الماء ، فيقولون نعم ، قال : فيريهم جهنم وهي كهيئة السراب ، ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئا ، ثم قرأ عبد الله وَقِفوهُم إنّهُمْ مَسْئُولُونَ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعَرَضۡنَا جَهَنَّمَ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡكَٰفِرِينَ عَرۡضًا} (100)

عرَض جهنم مستعمل في إبرازها حين يشرفون عليها وقد سيقوا إليها فيعلمون أنها المهيئة لهم ، فشبه ذلك بالعرض تهكماً بهم ، لأنّ العرض هو إظهار ما فيه رغبة وشهوة .