مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{هُوَ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (56)

ثم إنه أكد هذه الدلائل فقال : { هو يحي ويميت وإليه ترجعون } والمراد أنه لما قدر على الإحياء في المرة الأولى فإذا أماته وجب أن يبقى قادرا على إحيائه في المرة الثانية ، فظهر بما ذكرنا أنه تعالى أمر رسوله بأن يقول : { إي وربى } ثم إنه تعالى أتبع ذلك الكلام بذكر هذه الدلائل القاهرة .

واعلم أن في قوله : { ألا إن لله ما في السموات والأرض } دقيقة أخرى وهي كلمة { ألا } وذلك لأن هذه الكلمة إنما تذكر عند تنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين وأهل هذا العالم مشغولون بالنظر إلى الأسباب الظاهرة . فيقولون البستان للأمير والدار للوزير والغلام لزيد والجارية لعمرو فيضيفون كل شيء إلى مالك آخر والخلق لكونهم مستغرقين في نوم الجهل ورقدة الغفلة يظنون صحة تلك الإضافات فالحق نادى هؤلاء النائمين الغافلين بقوله : { ألا إن لله ما في السموات والأرض } وذلك لأنه لما ثبت بالعقل أن ما سوى الواحد الأحد الحق ممكن لذاته ، وثبت أن الممكن مستند إلى الواجب لذاته إما ابتداء أو بواسطة ، فثبت أن ما سواه ملكه وملكه ، وإذا كان كذلك ، فليس لغيره في الحقيقة ملك ، فلما كان أكثر الخلق غافلين عن معرفة هذا المعنى غير عالمين به ، لا جرم أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يذكر هذا النداء ، لعل واحدا منهم يستيقظ من نوم الجهالة ورقدة الضلالة .