مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (192)

أما قوله تعالى : { فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم } فاعلم أنه تعالى أوجب عليهم القتال على ما تقدم ذكره ، وكان يجوز أن يقدر أن ذلك القتال لا يزول وإن انتهوا وتابوا كما ثبت في كثير من الحدود أن التوبة لا تزيله ، فقال تعالى بعدما أوجب القتل عليهم : { فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم } بين بهذا أنهم متى انتهوا عن ذلك سقط وجوب القتل عنهم ، ونظيره قوله تعالى : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : قال ابن عباس : فإن انتهوا عن القتال وقال الحسن : فإن انتهوا عن الشرك .

حجة القول الأول : أن المقصود من الإذن في القتال منع الكفار عن المقاتلة فكان قوله : { فإن انتهوا } محمولا على ترك المقاتلة .

حجة القول الثاني : أن الكافر لا ينال غفران الله ورحمته بترك القتال ، بل بترك الكفر .

المسألة الثانية : الانتهاء عن الكفر لا يحصل في الحقيقة إلا بأمرين أحدهما : التوبة والآخر التمسك بالإسلام ، وإن كان قد يقال في الظاهر لمن أظهر الشهادتين : إنه انتهى عن الكفر إلا أن ذلك إنما يؤثر في حقن الدم فقط . أما الذي يؤثر في استحقاق الثواب والغفران والحرمة فليس إلا ما ذكرنا .

المسألة الثالثة : دلت الآية على أن التوبة من كل ذنب مقبولة ، وقول من قال : التوبة عن القتل العمد غير مقبولة خطأ ، لأن الشرك أشد من القتل ، فإذا قبل الله توبة الكافر فقبول توبة القاتل أولى ، وأيضا فالكافر قد يكون بحيث جمع مع كونه كافرا كونه قاتلا . فلما دلت الآية على قبول توبة كل كافر دل على أن توبته إذا كان قاتلا مقبولا والله أعلم .