اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِنِ ٱنتَهَوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (192)

قوله تعالى : { فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : لهم . ومتعلق الانتهاء محذوفٌ أي : عن القتال ، و " انْتَهَى " " افْتَعَلَ " من النَّهي ، وأصلُ " انْتَهَوا " " انْتَهَيُوا " فاسْتُثْقِلَت الضَّمةُ على الياء ؛ فحُذِفَتْ فالتقى ساكنان ؛ فَحُذِفت الياءُ ؛ لالتقاء الساكنين ، أو تقول : تَحَرَّكَتِ الياء ، وانفتحَ ما قبلها ؛ فَقُلِبَتْ ألفاً ؛ فالتقى ساكنان ؛ فَحُذِفَتِ الألفُ ، وبقِيت الفتحة تَدُلُّ عليها .

فصل في اختلافهم في متعلِّق الانتهاء

هذا البيانُ لبقاء هذا الشَّرط في قتالهم قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فإن انتهوا عن القتال{[18]} ؛ لأنَّ المقصُود من الإذن في القتال منعُ الكُفّار عن المُقاتلة .

وقال الحسنُ : فإن انتهوا عن الشِّرك{[19]} ؛ لأنَّ الكَافِرَ لا يَنَالُ المغفرة والرَّحمة بترك القتال ، بل بترك الكُفرِ .

فصل في دلالة الآية على قبول التَّوبة من كلِّ ذنب

دلَّت الآية على أنَّ التوبة مِنْ كُلِّ ذنبٍ مقبولةٌ ومَنْ قال : إنَّ التوبة عن قتل العَمْد غيرُ مقبولةٍ ، فقد أخطأ ؛ لأنَّ الشركَ أشدُّ من القتل ، فإذا قَبِلَ الله توبة الكافِرِ ، فقبُولُ توبة القاتل أولى ، وأيضاً فقد يكُونُ الكافِرُ قاتلاً ، فقد انضمَّ إلى كُفره قَتْلُ العَمْد والآيَةُ دلَّت على قبُول توبة كلِّ كافِرٍ ، فدلَّ على أنَّ توبتَهُ ، إذا كان قاتِلاً مقبولةٌ ؛ قال تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] .


[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".
[19]:ينظر: المشكل 1/ 123.