روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها ، وقرئ { صَدَّقْتَ } بالتخفيف ، وقرأ فياض { *الريا } بكسر الراء والإدغام ، وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه ، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع ، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها ، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام ، وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة ، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ، وأخرج هو . وابن جرير . وابن أبي حاتم . والطبراني . وابن مردويه . والبيهقي في «شعب الإيمان » عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك .

وأخرج ابن المنذر . والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضاً فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ، وأخرج عبد بن حميد . وغيره عن مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع رأسه فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه فذبحه ، وفي رواية أخرى عنه أخرجها عبد بن حميد أيضاً . وابن المنذر أنه أمر السكين فانقلبت ، وإلى عدم الإمرار ذهبت اليهود أيضاً لما في توراتهم مد إبراهيم يده فأخذ السكين فقال له ملاك الله من السماء قائلاً : يا إبراهيم يا إبراهيم قال : لبيك قال : لا تمد يدك إلى الغلام ولا تصنع به شيئاً ، وذهب إلى الأول طائفة فمنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه ، ومنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه ، ومنهم من قال : أنه أمرها ولم تقطع لمانع ، فقد أخرج سعيد بن منصور . وابن المنذر عن عطاء بن يسار أنه عليه السلام قام إليه بالشفرة فبرك عليه فجعل الله تعالى ما بين لبته إلى منحره نحاساً لا تؤثر فيه الشفرة ، وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عن السدي أنه عليه السلام جر السكين على حلقه فلم ينحر وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة من نحاس ، وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن فضيل بن عياض قال : أضجعه ووضع الشفرة فقلبها جبريل عليه السلام ، وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء أنه نحر في حلقه فإذا هو قد نحر في نحاس فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر ، وضعف جميع ذلك .

وقيل إنه عليه السلام ذبح لكن كان كلما قطع موضعاً من الحق أوصله الله تعالى ، وزعموا ورود ذلك في بعض الأخبار ولا يكاد يصح ، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام من الكلام ، وجواب لما محذوف مقدر بعد { قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا } أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما الله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك ؛ وهو أولى من تقدير فإذا ونحوه ، وقدره بعض البصريين بعد { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [ الصافات : 103 ] أي أجز لنا أجرهما ، وعن الخليل . وسيبويه تقديره قبل { وَتَلَّهُ } قال في «البحر » : والتقدير فلما أسلما أسلما وتله ، وقال ابن عطية : وهو عندهم كقول امرئ القيس

: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى *** أي أجزنا وانتحى ، وهو كما ترى ، وقال الكوفيون : الجواب مثبت وهو { وناديناه } على زيادة الواو ، وقالت فرقة : هو و { *تله } على زيادتها أيضاً ، ولعل الأولى ما تقدم .

وقوله تعالى : { العالمين إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين } ابتداء كلام غير داخل في النداء وهو تعليل لإفراج تلك الشدة المفهوم من الجواب المقدر أو من الجواب المذكور أعني نادينا الخ على القول بأنه الجواب أو منه وإن لم يكن الجواب والعلة في المعنى إحسانهما ، وكونه تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر ليس بشيء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

{ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ } أي : قد فعلت ما أمرت به ، فإنك وطَّنت نفسك على ذلك ، وفعلت كل سبب ، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } في عبادتنا ، المقدمين رضانا على شهوات أنفسهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (105)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 104]

وقوله:"وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا" وهذا جواب قوله: "فَلَمّا أسْلَما "ومعنى الكلام: فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم...

ويعني بقوله: "قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا" التي أريناكها في منامك بأمرناك بذبح ابنك. وقوله: "إنّا كَذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ" يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"قد صدقت الرؤيا": فعلت ما أمرت به في الرؤيا.

"إنا كذلك نجزي المحسنين" إنا جازينا ابراهيم على فعله بأحسن الجزاء. ومثل ذلك نجزي كل من فعل طاعة، فإنا نجازيه على فعله بأحسن الجزاء.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشدّة، والظفر بالبغية بعد اليأس.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{قد صدقت} يحتمل أن يريد بقلبك على معنى كانت عندك رؤياك صادقة وحقاً من الله، فعملت بحسبها حين آمنت بها واعتقدت صدقها...

{الرؤيا} اسم لما يرى من قبل الله تعالى، والمنام والحلم اسم لما يرى من قبل الشيطان ومنه الحديث الصحيح «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان».

{إنا كذلك} إشارة إلى ما عمل إبراهيم، كأنه يقول إنا بهذا النوع من الإخلاص والطاعة {نجزي المحسنين}.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

إبراهيم وولده كانا محسنين في هذه الطاعة، فكما جزينا هذين المحسنين فكذلك نجزي كل المحسنين.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" إنا كذلك نجزي المحسنين "أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان محل التوقع الثناء عليه قال: {قد صدقت} أي تصديقاً عظيماً.

{الرؤيا} في أنك تذبحه، فإنك قد عالجت ذلك، وبدلت الوسع فيه، وفعلت ما رأيته في المنام، فما انذبح لأنك لم تر أنك ذبحته، فاكفف عن معالجة الذبح بأزيد من هذا.

ولما كان صلى الله عليه وسلم في همة الذبح وعزمه، فكانت تلك الهمة التي تقصر عنها رتبها السها والسماك، والعزمة التي تتضاءل دون عليّ مكانتها وسني عظمتها عوالي الأفلاك، لا تسكن عن ثورانها، ولا تبرد عن غليانها وفورانها، إلا بأمر شديد، وقول جازم أكيد، قال مؤكداً تنبيهاً على أن همته قد وصلت إلى هذا حده، وأن امتثال الأمر أيسر من الكف بعد المباشرة بالنهي: {إنا كذلك} أي مثل هذا الجزاء العظيم {نجزي المحسنين}.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما ناداه جبريل بأن لا يذبحه كان ذلك الخطابُ نسخاً لما في الرؤيا من إيقاع الذبح، وذلك جاء من قِبل الله لا من تقصير إبراهيم، فإبراهيم صدَّق الرؤيا إلى أن نهاه الله عن إكمال مِثالها، فأُطلق على تصديقه أكثرَها أنه صدَّقها، وجُعِل ذبح الكبش تأويلاً لذبح الولد الواقع في الرؤيا..