روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ثُمَّ قُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (20)

{ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } تكرير للمبالغة كما هو معتاد من أعجب غاية الإعجاب والعطف بثم للدلالة على تفاوت الرتبة وان الثانية أبلغ من الأولى فكأنه قيل قتل بنوع ما من القتل لا بل قتل بأشده وأشده ولذا ساغ العطف فيه مع أنه تأكيد ونحوه ما في قوله :

ومالي من ذنب إليهم علمته *** سوى أنني قد قلت يا سرحة اسلمي

ألا يا اسلمي ثم اسلمي ثمت اسلمي *** ثلاث تحيات وان لم تكلمي

والإطراء في الاعجاب بتقديره يدل على غاية التهكم به وبمن فرح بمحصول تفكيره وقال الراغب في غرة التنزيل كان الوليد بن المغيرة لما سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم قدر ما أتى به من القرآن فقال إن قلنا شاعر كذبتنا العرب إذا عرضت ما أتى به على الشعر وكان يقصد بهذا التقدير تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب من الاحتيال فلذلك كان كل تقدير مستحقاً لعقوبة من الله تعالى هي كالقتل اهلاكاً له فالأول لتقديره على الشعر أي أهلك اهلاك المقتول كيف قدر وقوله تعالى ثم قتل كيف قدر لتقديره الآخر فإنه قدر أيضاً وقال فإن ادعينا ان ما أتى به من كلام الكهنة كذبتنا العرب إذا رأوا هذا الكلام مخالفاً لكلام الكهان فهو في تقديره له على كلام الكهنة مستحق من العقوبة لما هو كالقتل اهلاكاً له فجاء ذلك لهذا فلم يكن في الإعادة تكرار والأول هو ما ذهب إليه جار الله وجعل الدعاء اعتراضاً وقال عليه الطيبي أنه ليس من الاعتراض المتعارف الذي ينحل لتزيين الكلام وتقريره لأن الفاء مانعة من ذلك بل هو من كلام الغير ووقع الفاء في تضاعيف كلامه فادخل بين الكلامين المتصلين على سبيل الحكاية ثم قال وهو متعسف وإنما سلكه لأنه جعل الدعاءين من كلام الغير وأما إذا جعلا من كلام الله تعالى استهزاء كما ذكر هو أو دعاء عليه كما ذهب إليه الراغب وعليه تفسير الواحدي على ما قال ونقل عن صاحب النظم { فقتل كيف } [ المدثر : 19 ] أي عذب ولعن كيف قدر كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حال كانت منه لتكون الأفعال كلها متناسقة مرتبة على التفاوت في التعقيب والتراخي زمانا ورتبة كما يقتضيه المقام كان أحسن وجاء النظم على السنن المألوف من التنزيل إلى آخر ما قال وما تقدم أبعد مغزى والاعتراض من المتعارف وهو يؤكد ما سيق له الكلام أحسن تأكيد والفار غير مانعة على ما نص عليه جار الله وغيره وجعل من الاعتراض المقرون بها فاسألوا أهل الذكر ومنه قوله :

واعلم فعلم المرء ينفعه *** أن سوف يأتي كل ما قدرا

وقد حقق أنه بالحقيقة نتيجة وقعت بين أجزاء الكلام اهتماماً بشأنها فأفادت فائدة الاعتراض وعدت منه والاعتراض بين قوله تعالى { إنه فكر وقدر } [ المدثر : 18 ] .