التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعۡلَمُ إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ} (16)

حكيت هذه المحاورة على سنن حكاية المحاورات بحكاية أقوال المتحاورين دون عطف .

و { ربنا يعلم } قَسَم لأنه استشهاد بالله على صدق مقالتهم ، وهو يمين قديمة انتقلها العرب في الجاهلية فقال الحارث بن عَبَّاد :

لم أكن من جُناتِها عَلِم الل *** ـه وإنِي لِحرّها اليومَ صالي

ويظهر أنه كان مغلّظاً عندهم لقلة وروده في كلامهم ولا يَكاد يقع إلا في مقام مهم . وهو عند علماء المسلمين يمين كسائر الأيمان فيها كفارة عند الحِنث . وقال بعض علماء الحنفية : إن لهم قولاً بأن الحالف به كاذباً تلزمه الردّة لأنه نسب إلى علم الله ما هو مخالف للواقع ، فآل إلى جعل علم الله جهلاً . وهذا يرمي إلى التغليظ والتحذير وإلا فكيف يكفر أحد بلوازم بعيدة .

واضطرهم إلى شدّة التوكيد بالقسم ما رأوا من تصميم كثير من أهل القرية على تكذيبهم . ويسمى هذا المقدار من التأكيد ضرباً إنكاريّاً .