التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ بِسَاطٗا} (19)

هذا استدلال وامتنان ، ولذلك عُلق بفعل { جعل } مجرورٌ بلام التعليل وهو { لكم } أي لأجلكم .

والبساط : ما يفرش للنوم عليه والجلوس من ثوب أو زربية فالإِخبار عن الأرض ببساط تشبيه بليغ ، أي كالبساط ، ووجه الشبه تناسب سطح الأرض في تعادل أجزائه بحيث لا يوجع أرجل الماشين ولا يُقِضُّ جنوب المضطجعين ، وليس المراد أن الله جعل حجم الأرض كالبساط لأن حجم الأرض كُرَوي ، وقد نبه على ذلك بالعلةِ الباعثة في قوله : { لكم } ، والعلةِ الغائبة في قوله : { لتسلكوا منها سبلاً } وحصل من مجموع العلتين الإِشارة إلى جميع النعم التي تحصل للناس من تسوية سطح الأرض مثل الحرث والزرع ، وإلى نعمة خاصة وهي السير في الأرض ، وخصت بالذكر لأنها أهم لاشتراك كل الناس في الاستفادة منها .