التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَلَمۡ نُهۡلِكِ ٱلۡأَوَّلِينَ} (16)

استئناف بخطاب موجه إلى المشركين الموجودين الذين أنكروا البعث معترض بين أجزاء الكلام المخاطببِ به أهل الشرك في المحشر .

ويتضمن استدلالاً على المشركين الذين في الدنيا ، بأن الله انتقم من الذين كفروا بيوم البعث من الأمم سابقهم ولاحِقهم ليحذروا أن يحلّ بهم ما حلّ بأولئك الأولين والآخِرين .

والاستفهام للتقرير استدلالاً على إمكان البعث بطريقة قياس التمثيل .

والمراد بالأولين الموصوفون بالأولية أي السبق في الزمان ، وهذا يقِرُّ به كل جيل منهم مسبوق بجيل كفروا .

فالتعريف في { الأولين } تعريف العهد ، والمراد بالأولين جميع أمم الشرك الذين كانوا قبل مشركي عصر النبوة .

والإِهلاك : الإِعدام والإِماتة . وإهلاك الأولين له حالتان : حالة غير اعتيادية تنشأ عن غضب الله تعالى ، وهو إهلاك الاستئصال مثل إهلاك عاد وثمود ، وحالة اعتيادية وهي ما سَن الله عليه نظام هذا العالم من حياة وموت .

وكلتا الحالتين يصح أن تكون مراداً هنا ، فأما الحالة غير الاعتيادية فهي تذكير بالنظر الدال على أن الله لا يرضى عن الذين كذبوا بالبعث .

وأما الحالة الاعتيادية فدليل على أن الذي أحيا الناس يميتهم فلا يتعذر أن يعيد إحياءهم .