المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (106)

قال القاضي أبو محمد : و { حقيق على } هذا معناه جدير وخليق ، وقال الطبري : قال قوم : { حقيق } معناه حريص فلذلك وصلت ب { على } ، وفي هذا القول بعد ، وقال قوم : { حقيق } صفة لرسول تم عندها الكلام ، وعلى خبر مقدم و { أن لا أقول } ابتداء تقدم خبره ، وإعراب { أن } على قراءة من سكن الياء خفض ، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع ، وقال الكسائي في قراءة عبد الله «حقيق بأن لا أقول » ، وقال أبو عمرو في قراءة عبد الله : «حقيق أن أقول » وبه قرأ الأعمش ، وهذه المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الذي أمر عليه السلام به .

وقوله { قد جئتكم ببينة من ربكم } الآية ، البينة هنا إشارة إلى جميع آياته وهي على المعجزة هنا أدل ، وهذا من موسى عرض نبوته ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدالة على الصدق .

وظاهر الآية وغيرها أن موسى عليه السلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ، ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل ، وذكره لعله يخشى أو يزكى ويوحد كما يذكر كل كافر ، إذ كل نبي داع إلى التوحيد وإن لم يكن آخذاً به ومقاتلاً عليه ، وأما إن دعاه إلى أن يؤمن ويلتزم جميع الشرع فلم يرد هذا نصاً ، والأمر محتمل ، وبالجملة فيظهر فرق ما بين بني إسرائيل وبين فرعون والقبط ، ألا ترى أن بقية القبط وهم الأكثر لم يرجع إليهم موسى أبداً ولا عارضهم وكان القبط مثل عبدة البقر وغيرهم وإنما احتاج إلى محاورة فرعون لتملكه على بني إسرائيل .