معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

قوله تعالى : { قل } لهم يا محمد { كونوا حجارةً أو حديداً } ، في الشدة والقوة ، وليس هذا بأمر إلزام بل هو أمر تعجيز ، أي : استشعروا في قلوبكم أنكم حجارة أو حديد في القوة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

وهكذا أمر رسوله ههنا{[17582]} أن يجيبهم فقال : { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا } وهما{[17583]} أشد امتناعا من العظام والرفات .


[17582]:في ف: "هنا".
[17583]:في ف: "إذا هما".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

جواب عن قولهم : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً } [ الإسراء : 49 ] . أمر الله رسوله بأن يجيبهم بذلك .

وقرينة ذلك مقابلةُ فعل { كنا } [ الإسراء : 49 ] في مقالهم بقوله : { كونوا } ، ومقابلة { عظاماً ورفاتاً } في مقالهم بقوله : { حجارة أو حديداً } الخ ، مقابلة أجسام واهية بأجسام صُلبة . ومعنى الجواب أن وهن الجسم مساوٍ لصلابته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى على تكييفه كيف يشاء .

لهذا كانت جملة { قل كونوا حجارة } الخ غير معطوفة ، جرْياً على طريقة المحاورات التي بينتُها عند قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة [ البقرة : 30 ] .

وإن كان قوله : { قل } ليسَ مبدأ محاورة بل المحاورة بالمقول الذي بعده ؛ ولكن الأمر بالجواب أعطي حكم الجواب فلذلك فصلت جملة { قل } .

واعلم أن ارتباطَ رد مقالتهم بقوله : { كونوا حجارة } الخ غامض ، لأنهم إنما استبعدوا أو أحالوا إرجاعَ الحياة إلى أجسام تَفرّقت أجزاؤُها وانخرم هيكلها ، ولم يعللوا الإحالة بأنها صارت أجساماً ضعيفة ، فيرد عليهم بأنها لو كانت من أقوى الأجسام لأعيدت لها الحياة .

فبنا أن نبين وجه الارتباط بين الرد على مقالتهم وبين مقالتهم المردودة ، وفي ذلك ثلاثة وجوه :

أحدها : أن تكون صيغة الأمر في قوله : { كونوا } مستعملة في معنى التسوية ، ويكون دليلاً على جوابٍ محذوف تقديره : إنكم مبعوثون سَواء كنتم عظاماً ورُفاتاً أو كنتم حجارة أو حديداً ، تنبيهاً على أن قدرة الله تعالى لا يتعاصى عليها شيء . وذلك إدماج يجعل الجملة في معنى التذييل .

الوجه الثاني : أن تكون صيغة الأمر في قوله : { كونوا } مستعملة في الفرض ، أي لو فُرض أن يكون الأجساد من الأجسام الصلبة وقيل لكم : إنكم مبعوثون بعد الموت لأحلتم ذلك واستبعدتم إعادة الحياة فيها . وعلى كلا الوجهين يكون قوله : { مما يكبر في صدوركم } نهايةَ الكلام ، ويكون قوله : { فسيقولون من يعيدنا } مفرعاً على جملة { وقالوا أئذا كنا } [ الإسراء : 49 ] الخ تفريعاً على الاستئناف . وتكون الفاء للاستئناف وهي بمعنى الواو على خلاف في مجيئها للاستئناف ، والكلام انتقال لحكاية تكذيب آخر من تكذيباتهم .

الوجه الثالث : أن يكون قوله : { قل كونوا حجارة } كلاماً مستأنفاً ليس جواباً على قولهم : { أئذا كنا عظاماً ورفاتاً } [ الإسراء : 49 ] الخ وتكون صيغة الأمر مستعملة في التسوية . وفي هذا الوجه يكون قوله : { فسيقولون من يعيدنا } متصلاً بقوله : { كونوا حجارة أو حديداً } الخ ، ومفرعا على كلام محذوف يدل عليْه قوله : { كونوا حجارة } ، أي فلو كانوا كذلك لقالوا : من يعيدنا ، أي لانْتقلوا في مدارج السفسطة من إحالة الإعادة إلى ادعاء عدم وجود قادر على إعادة الحياة لهم لصلابة أجسادهم .

وبهذه الوجوه يلتئم نظم الآية وينكشف ما فيه من غموض .

والحديد : تراب معدني ، أي لا يوجد إلا في مغاور الأرض ، وهو تراب غليظ مُختلف الغلظ ، ثقيل أدكن اللون ، وهو إما محتت الأجزاء وإما مورّقُها ، أي مثل الورَق .

وأصنافه ثمانية عشر باعتبار اختلاف تركيب أجزائه ، وتتفاوت ألوان هذه الأصناف ، وأشرف أصنافه الخالصُ ، وهو السالم في جميع أجزائه من المواد الغريبة . وهذا نادر الوجود وأشهر ألوانه الأحمر ، ويقسم باعتبار صلابته إلى صنفين أصليين يسميان الذكر والأنثى ، فالصلب هو الذكر واللين الأنثى . وكان العرب يصفون السيف الصلب القاطع بالذكر . وإذا صهر الحديد بالنار تمازجت أجزاؤه وتميع وصار كالحلواء فمنه ما يكون حديدَ صب ومنه ما يكون حديدَ تطريق ، ومنه فُولاذ . وكل صنف من أصنافه صالح لما يناسب سبكه منه على اختلاف الحاجة فيها إلى شدة الصلابة مثل السيوف والدروع . ومن خصائص الحديد أن يعلوَه الصدأُ ، وهو كالوسخ أخضرُ ثم يستحيل تدريجاً إلى أكسيد ( كلمة كيمياوية تدل على تعلق أجزاء الأكسجين بجسم فتفسده ) وإذا لم يتعهد الحديد بالصقل والزيت أخذ الصدأ في نخر سطحه ، وهذا المعدن يوجد في غالب البلاد . وأكثر وجوده في بلاد الحبشة وفي صحراء مصر . ووجدت في البلاد التونسية معادن من الحديد . وكان استعمال الحديد من العصور القديمة ؛ فإن الطور الثاني من أطور التاريخ يعرف بالعصر الحديدي ، أي الذي كان البشر يستعمل فيه آلات متخذة من الحديد ، وذلك من أثر صنعة الحديد ، وذلك قبل عصر تدوين التاريخ . والعصر الذي قبله يعرف بالعصر الحجري .

وقد اتصلت بتعيين الزمن الذي ابتدىء فيه صنع الحديد أساطير واهية لا ينضبط بها تاريخه . والمقطوع به أن الحديد مستعمل عند البشر قبل ابتداء كتابة التاريخ ولكونه يأكله الصدأ عند تعرضه للهواء والرطوبة لم يَبق من آلاته القديمة إلا شيء قليل .

وقد وُجدتُ في ( طيبَة ) : ومَدافن الفراعنة في ( منفيس ) بمصر صور على الآثار مرسوم عليها : صور خزائن شاحذين مداهم وقد صبغوها في الصور باللون الأزرق لون الفولاذ ، وذلك في القرن الحادي والعشرين قبل التاريخ المسيحي . وقد ذكر في التوراة وفي الحديث قصة الذبيح ، وقصة اختتان إبراهيم بالقدوم . ولم يذكر أن السكين ولالقدوم كانتا من حجر الصوان ، فالأظهر أنه بآلة الحديد ، ومن الحديد تتخذ السلاسل للقيد ، والمقامع للضرب ، وسيأتي قوله تعالى : { ولهم مقامع من حديد } في سورة [ الحج : 21 ] .