اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قُلۡ كُونُواْ حِجَارَةً أَوۡ حَدِيدًا} (50)

ثم قال تعالى : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } وذلك أنَّهم استبعدوا أن يردَّهم أحياءً بعد أن صاروا عظاماً ورفاتاً ، فإنَّها صفة منافية لقبول الحياة بحسب الظاهر ، فقال : ولقد قدرتم أنَّ هذه الأجسام بعد الموت تصير إلى صفة أخرى أشدَّ منافاة لقبول الحياة من كونها عظاماً ورفاتاً ؛ مثل أن تصير حجارة أو حديداً ؛ فإنَّ المنافاة بين الحجرية والحديدية وبين قبول الحياة أشدُّ من المنافاة بين العظميَّة وبين قبول الحياة ؛ لأنَّ العظم كان جزءاً من بدن الحيِّ ، وأمَّا الحجارة والحديد ، فما كانا ألبتَّة موصوفين بالحياة ، فبتقدير أن تصير أبدان الناس حجارة أو حديداً بعد الموت ، فإن الله تعالى يعيد الحياة إليها ، ويجعلها حية عاقلة ، كما كان ، والدليل على صحَّة ذلك أن تلك الأجسام قابلة للحياة والعقل ؛ إذ لو لم يكن القبول حاصلاً ، لما حصل العقل والحياة لها في أوَّل الأمر ، وإله العالم عالمٌ بجميع الجزئيَّات ، فلا يشتبه عليه أجزاء بدنِ زيد المطيع بأجزاء بدن عمرو العاصي ، وقادرٌ على كل الممكنات .

وإذا ثبت أنَّ عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكنٌ في نفسه ، وثبت أنَّ إله العالم عالمٌ بجميع المعلومات ، قادرٌ على كلِّ الممكنات ، كان عود الحياة إلى تلك الأجزاء ممكناً قطعاً سواءٌ صارت عظاماً ورفاتاً أو أشياء أبعد من العظم في قبول الحياة ، مثل أن تصير حجارة أو حديداً ، وهذا ليس المراد منه الأمر ، بل المراد أنَّكم لو كنتم كذلك ، لما أعجزتم الله تعالى عن الإعادة ؛ كقول القائل للرجل : أتطمع فيَّ ، وأنا ابنُ فلانٍ ؟ ! ! فيقول : كُنْ من شئت كن ابن الخليفة فسأطلب منك حقِّي .