{ فسوف يحاسب حساباً يسيرا } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا نافع ، عن ابن عمر ، حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه ، وإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حوسب عذب ، قالت عائشة رضي الله عنها فقلت : للنبي : أو ليس يقول الله عز وجل : { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } قالت : فقال : إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش في الحساب هلك " .
ثم قال : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } أي : سهلا بلا تعسير ، أي : لا يحقق عليه جَميعُ دقائق أعماله ؛ فإن من حوسب كذلك يهلك{[29876]} لا محالة .
قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب ، عن عبد الله بن أبي مُلَيْكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من نُوِقش الحساب عُذِّب " . قالت : فقلت : أليس قال الله : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } ؟ ، قال : " ليس ذاك بالحساب ولكن ذلك العَرْض ، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب " .
وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير ، من حديث أيوب السختياني ، به{[29877]}
وقال ابن جرير : حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا أبو عامر الخَرَاز ، عن ابن أبي مُلَيْكة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا " . فقلت : أليس الله يقول : { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } ؟ ، قال : " ذاك العرض ، إنه من نُوِقش الحساب عُذب " ، وقال بيده على إصبعه كأنه يَنكُتُ .
وقد رواه أيضا عن عمرو بن علي ، عن ابن أبي عدي ، عن أبي يونس القُشَيري ، عن ابن أبي مُلَيْكة ، عن القاسم ، عن عائشة ، فذكر الحديث{[29878]} أخرجاه من طريق أبي يونس القُشَيري ، واسمه حاتم بن أبي صغيرة{[29879]} به{[29880]} .
قال ابن جرير : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا مسلم ، عن الحريش بن الخَرِّيت أخى الزبير ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة قالت : من نُوِقش الحساب - أو : من حُوسِب - عُذِّبَ . قال : ثم قالت : إنما الحسابُ اليسيرُ عَرض على الله عز وجل وهو يراهم{[29881]} .
وقال أحمد : حدثنا إسماعيل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الواحد بن حمزة بن{[29882]} عبد الله بن الزبير ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة قالت : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته : " اللهم حاسبني حسابا يسيرا " . فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه ، إنه من نُوِقش الحسابَ يا عائشةُ يومئذ هَلَكَ " . صحيح على شرط مسلم{[29883]} .
ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر ، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار ، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار ، وهذه الآية ترد على هذا القول ، و «الحساب اليسير » : هو العرض : وأما من نوقش الحساب ، فإنه يهلك ويعذب{[11705]} ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
«من حوسب عذب » فقالت عائشة : ألم يقل الله { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنا ذلك العرض ، وأما من نوقش الحساب فيهلك » وفي الحديث من طريق ابن عمر : «إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه ، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه ، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم{[11706]} » وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم حاسبني حساباً يسيراً » قلت يا رسول الله ، وما هو ؟ فقال : «أن يتجاوز عن السيئات{[11707]} » وروي عن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من حاسب نفسه في الدنيا ، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة{[11708]} »
وحرف ( سوف ) أصله لحصول الفعل في المستقبل ، والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد وذلك هو الشائع ، ويقصد به في الاستعمال البليغ تحقق حصول الفعل واستمراره ومنه قوله تعالى : { قال سوف أستغفر لكم ربي } في سورة [ يوسف : 98 ] ، وهو هنا مفيد للتحقق والاستمرار بالنسبة إلى الفعل القابل للاستمرارِ وهو ينقلب إلى أهله مسروراً وهو المقصود من هذا الوعد . وقد تقدم عند قوله تعالى : { فسوف نصليه ناراً } في سورة [ النساء : 30 ] . v
والحساب اليسير : هو عَرْض أعماله عليه دون مناقشة فلا يَطول زمنه فيعجَّلُ به إلى الجنة ، وذلك إذا كانت أعماله صالحة ، فالحساب اليسير كناية عن عدم المؤاخذة .
و{ من أوتي كتابه وراء ظهره } هو الكافر . والمعنى : إنه يؤتى كتابه بشماله كما تقتضيه المقابلة ب { من أوتي كتابه بيمينه } وذلك أيضاً في سورة الحاقة قوله : { وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه } ، أي يعطى كتابه من خلفه فيأخذه بشماله تحقيراً له ويناول له من وراء ظهره إظهاراً للغضب عليه بحيث لا ينظر مُناوِلُه كتابَه إلى وجهه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.