{ فسوف يحاسب حسابا يسيرا } آية يقول : باليسير بأن الله لا يغير حسناته ولا يفضحه .
وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة فإنهم يومج بعضهم في بعض ، مقدار ثلاث مائة سنة ، حتى إذا استوى الرب جل وعز على كرسيه ليحاسب خلقه ، فإذا جاء الرب تبارك وتعالى والملائكة صفا صفا ، فينظرون إلى الجنة ، وإلى النار ، ويجاء بالنار ، من مسيرة خمس مائة عام ، عليها تسعون ألف زمام ، في كل زمام سبعون ألف ملك ، متعلق يحبسونها عن الخلائق ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة خمسين سنة ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، إذا تكلم أحدهم ، تناثرت من فيه النار ، بيد كل واحد منهم مرزبة ، عليها ثلاث مائة وستون رأسا ، كأمثال الجبال ، هي أخف بيده من الريشة ، فيجئون بها فيسوقونها ، حتى تقام عن يسار العرش .
ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها ، حتى تقام عن يمين العرش ، فإذا ما عاين الخلائق النار ، وما أعد الله لأهلها ، ونظروا إلى ربهم وسكتوا ، فانقطعت عند ذلك أصواتهم ، فلا يتكلم أحد منهم من فرق الله وعظمته ، ولما يرون من العجائب من الملائكة ، ومن حملة العرش ، ومن أهل السماوات ، ومن جهنم ، ومن خزنتها ، فانقطعت أصواتهم عند ذلك . وترتعد مفاصلهم ، فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف ، وبلغت القلوب الحناجر ، فيقوم مناد عن يمين العرش ، فينادى :{ يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } [ الزخرف :68 ] ، فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون والكفار ، لأنهم عباده كلهم ، ثم ينادى في الثانية :{ الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين } [ الزخرف :69 ] ، فيرفع المؤمنون رءوسهم ، وينكس أهل الأديان كلهم رءوسهم ، والناس سكوت مقدار أربعين عاما ، فذلك قوله :{ هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } [ المرسلات :35 ، 36 ] . وقوله :{ لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } [ النبأ :38 ] ، وقال : لا إله إلا الله ، فذلك الصواب ، وقوله :{ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا } [ طه : 108 ] ، فلا يجبهم الله ، ولا يكلمهم ، ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة ، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة ، وهو جبريل ، عليه السلام : ناد الرسل وابدأ بالأمي ، قال : فيقوم الملك ، فينادى عند ذلك أين النبي الأمي ؟ فتقول الأنبياء عند ذلك : كلنا نبيون وأميون فبين بين ، فيقول النبي العرب الأمي الحرمي ، فيقوم عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرفع صوته بالدعاء ، فيقول : كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه ، وقد أحصاه الله ، رب لا تفضح أمتي ، قال : فلا يزال يدنو من الله تعالى ، حتى يقوم بين يديه ، أقرب خلقه إليه ، فيحمد الله ويثنى عليه ، ويذكر من الثناء على الله تعالى والحمد ، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق .
فيقول الله عز وجل : قد رضيت عنك يا محمد ، اذهب فناد أمتك ، فينادى ، وأول ما يدعو يدعو من أمته عبد الله بن عبد الأسد أبا سلمة ، فلا يزال يدنو فيقربه الله عز وجل منه فيحاسبه حسابا يسيرا ، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ، ولا يغضب الله عز وجل عليه ، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته ، فيوضع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة ، كل ذؤابة درة تساوي مال المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الاستبرق والسندس ، فالذي يلي جسده حريرة بيضاء .
فذلك قوله :{ ولباسهم فيها حرير } [ الحج :23 ] ، ويسور بثلاث أسورة سوار من فضة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت ، وقد تلألأ في وجهه ، من نور ذلك ، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين ، فينظرون إليه وهو جاء من عند الله ، فتقول الملائكة والناس والجن : والله لقد أكرم الله هذا ، لقد أعطى الله لهذا ، فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته ، وإذا حسناته ظاهر كتابه ، فتقول عند ذلك الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمي ذنبا قط ، والله لقد اتقى هذا العبد ، فحق أن يكرم مثل هذا العبد ، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه ، وذلك لمن أراد الله تعالى أن يكرمه ولا يفضحه ، قال : فيأتي إخوانه من المسلمين ، فلا يعرفونه ، فيقول : أتعرفوني ؟ فيقولون كلهم : لا ، والله ، فيقول : إنما برحت الساعة ، وقد نسيتوني ، فيقول : أنا أبو سلمة ، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان ، لقد حاسبني ربي حسابا يسيرا ، وأكرمني ، فذلك قوله :{ فسوف يحاسب حسابا يسيرا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.