ويربط السياق بين حمل الإنسان على الأنعام وحمله على الفلك . بوصفهما مسخرين بنظام الله الكوني ، الذي ينظم وظائف الخلائق جميعا ، كما ينسق بين وجودها جميعا . فهذا التكوين الخاص للماء ، والتكوين الخاص للسفن ، والتكوين الخاص لطبيعة الهواء فوق الماء والسفن . . هو الذي يسمح للفلك أن تطفو فوق سطح الماء . ولو اختل تركيب واحد من الثلاثة أو اختلف أدنى اختلاف ما أمكن أن تتم الملاحة التي عرفتها البشرية قديما ، وما تزال تعتمد عليها جل الاعتماد .
وكل هذا من دلائل الإيمان الكونية ، لمن يتدبرها تدبر الفهم والإدراك . وكلها ذات صلة بالمقطع الأول في السورة والمقطع الثاني ، متناسقة معهما في السياق . .
وقوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } : يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع ، وذلك أنهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرْث ودم ، ويأكلون من حملانها ، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ويركبون ظهورها ويحملونها{[20532]} الأحمال الثقال إلى البلاد النائية عنهم ، كما قال تعالى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 7 ] ، وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ } [ يس : 71 - 73 ] .
كذلك القول في معنى { وعليها تحملون } فإن في ذلك عبرة بإعداد الله تعالى إياها لذلك وفي ذلك منة ظاهرة ، والحمل صادق بالركوب وبحمل الأثقال .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتح النون ، وقرأه الباقون عدا أبا جعْفر بضم النون يقال : سقاه وأسقاه بمعنى ، وقرأه أبو جعفر بتاء التأنيث مفتوحة على أن الضمير للأنعام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وعليها} يعني: الإبل، {وعلى الفلك تحملون} على ظهورها في أسفاركم، ففي هذا الذي ذكر من هؤلاء الآيات عبرة في توحيد الرب عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَعَلَيْها وَعَلى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ" يقول: وعلى الأنعام وعلى السفن تحملون، على هذه في البرّ وعلى هذه في البحر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وعليها وعلى الفلك تحملون} يذكرهم نعمه في ما سخر لهم من الأنعام والسفن ليستأدي به شكره.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقرنها بالفلك التي هي السفائن لأنها سفائن البرّ.
لأن وجه الانتفاع بالإبل في المحمولات على البر بمنزلة الانتفاع بالفلك في البحر، ولذلك جمع بين الوجهين في إنعامه لكي يشكر على ذلك ويستدل به.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت المفاوتة بين الحيوانات في القوى وسهولة الانقياد دالة على كمال القدرة، وكان الحمل للنفس والمتاع عليها وعلى غيرها من الحيوان من أجلّ المنافع بحيث لولا هو لتعطلت أكثر المصالح، ذكره فيها مذكراً بغيرها في البر تلويحاً، وذاكراً لمحامل البحر تصريحاً، فقال مقدماً للجار عداً لحمل غيرها بالنسبة إلى حملها لعظيم وقعه عدماً: {وعليها} أي الأنعام الصالحة للحمل من الإبل والبقر في البر {وعلى الفلك} في البحر. ولما كان من المعلوم من تذليلها على كبرها وقوتها وامتناع غيرها على صغره وضعفه أنه لا فاعل لذلك إلا الله مع أن الممتن به نفس الحمل لا بالنظر إلى شيء آخر، بني للمفعول قوله: {تحملون} بإنعامه عليكم بذلك، ولو شاء لمنعه، فتذكروا عظيم قدرته وكمال صنعته، وعظموه حق تعظيمه، واشكروه على ما أولاكم من تلك النعم، وأخلصوا له الدين، لتفلحوا فتكونوا من الوارثين.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أي: جعلها سفنا لكم في البر، تحملون عليها أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، كما جعل لكم السفن في البحر تحملكم، وتحمل متاعكم، قليلا [كان] أو كثيرا، فالذي أنعم بهذه النعم، وصنف أنواع الإحسان، وأدر علينا من خيره المدرار، هو الذي يستحق كمال الشكر، وكمال الثناء، والاجتهاد في عبوديته، وأن لا يستعان بنعمه على معاصيه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويربط السياق بين حمل الإنسان على الأنعام وحمله على الفلك. بوصفهما مسخرين بنظام الله الكوني، الذي ينظم وظائف الخلائق جميعا، كما ينسق بين وجودها جميعا. فهذا التكوين الخاص للماء، والتكوين الخاص للسفن، والتكوين الخاص لطبيعة الهواء فوق الماء والسفن.. هو الذي يسمح للفلك أن تطفو فوق سطح الماء. ولو اختل تركيب واحد من الثلاثة أو اختلف أدنى اختلاف ما أمكن أن تتم الملاحة التي عرفتها البشرية قديما، وما تزال تعتمد عليها جل الاعتماد...
وكل هذا من دلائل الإيمان الكونية، لمن يتدبرها تدبر الفهم والإدراك. وكلها ذات صلة بالمقطع الأول في السورة والمقطع الثاني، متناسقة معهما في السياق...
{وعليها} أي: على الدواب تحملون، فنركب الدواب، ونحمل عليها متاعنا، لكن لما كانت الأرض ثلاثة أرباعها ماء، فإن الحق- سبحانه وتعالى- ما تركنا في البحر، إنما حملنا فيه أيضا {وعلى الفلك تحملون} فكما أعددت لكم المطايا على اليابسة الضيقة أعددت لكم كذلك ما تركبونه في هذه المساحة الواسعة من الماء.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.