ثم تأتي لمحة عن قصة لوط . التي ترد في المواضع الأخرى تالية لقصة إبراهيم :
( وإن لوطاً لمن المرسلين . إذ نجيناه وأهله أجمعين . إلا عجوزاً في الغابرين . ثم دمرنا الآخرين . وإنكم لتمرون عليهم مصبحين . وبالليل أفلا تعقلون ? ) . .
وهي أشبه باللمحة التي جاءت عن قصة نوح . فهي تشير إلى رسالة لوط ونجاته مع أهله إلا امرأته . وتدمير المكذبين الضالين . وتنتهي بلمسة لقلوب العرب الذين يمرون على دار قوم لوط في الصباح والمساء ولا تستيقظ قلوبهم ولا تستمع لحديث الديار الخاوية . ولا تخاف عاقبة كعاقبتها الحزينة !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّكُمْ لّتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مّصْبِحِينَ * وَبِالْلّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } .
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش : وإنكم لتمرّون على قوم لوط الذين دمّرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّكُمْ لَتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ قالوا : نعم والله صباحا ومساء يطوؤنها وطْئا ، مَن أخَذَ من المدينة إلى الشام ، أخذ على سدوم قرية قوم لوط .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ في قوله : لَتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ قال : في أسفاركم .
وقوله : أفَلا تَعْقِلُونَ يقول : أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكّرون ، فتعلمون أن من سلك من عباد الله في الكفر به ، وتكذيب رسله ، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط ، نازل بهم من عقوبة الله ، مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله ، وتكذيب رسوله ، فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله ، وتكذيب محمد عليه الصلاة والسلام ، كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أفَلا تَعْقِلُونَ قال : أفلا تتفكّرون ما أصابهم في معاصي الله أن يصيبكم ما أصابهم ، قال : وذلك المرور أن يمرّ عليهم .
الخطاب لقريش الذين سيقت هذه القصص لعظتهم . والمرور : مجاوزة السائر بسيره شيئاً يتركه ، والمراد هنا : مرورهم في السفر ، وكان أهل مكة إذا سافروا في تجارتهم إلى الشام يمرّون ببلاد فلسطين فيمرون بأرض لوط على شاطىء البحر الميّت المسمّى بُحيرة لوط . وتعدية المرور بحرف ( على ) يعيِّن أن الضمير المجرور بتقدير مضاف إلى : على أرضهم ، كما قال تعالى : { أو كالذي مر على قرية } [ البقرة : 259 ] . يقال : مر عليه ومرّ به ، وتعديته بحرف ( على ) تفيد تمكّن المرور أشدّ من تعديته بالباء ، وكانوا يمرّون بديار لوط بجانبها لأن قُراهم غمرها البحر الميت وآثارها باقية تحت الماء .
والمُصبح : الداخل في وقت الصباح ، أي تمرّون على منازلهم في الصباح تارة وفي الليل تارة بحسب تقدير السير في أول النهار وآخره ، لأن رحلة قريش إلى الشام تكون في زمن الصيف ويكون السيرُ بُكرة وعشيّاً وسُرىً ؛ والباء في { وباللَّيلِ } للظرفية .
والخبر الذي في قوله : { وإنكم لتمُرُّون عليهم } مستعمل في الإِيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإِخبار ، وتأكيدُه بحرف التوكيد وباللام تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه ، وذلك مثل قوله : { وإنها لبسبيل مقيم في سورة الحجر } ( 76 ) . وفرع على ذلك بالفاء استفهام إنكاري من عدم فطْنتهم لدلالة تلك الآثار على ما حلّ بهم من سخط الله وعلى سبب ذلك وهو تكذيب رسول الله لوط .
وقد أشرنا إلى وجه تخصيص قصة لوط مع القصص الخمس في أول الكلام على قصة نوح وتزيد على تلك القصص بأن فيها مشاهدة آثار قومه الذين كذبوا وأصرّوا على الكفر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لتمرون عليهم مصبحين} على القرى نهارا وليلا وغدوة وعشية، إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: وإنكم لتمرّون على قوم لوط الذين دمّرناهم عند إصباحكم نهارا وبالليل... عن قتادة "وَإنّكُمْ لَتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ "قالوا: نعم والله صباحا ومساء يطؤونها وطْئا، مَن أخَذَ من المدينة إلى الشام، أخذ على سدوم قرية قوم لوط...
وقوله: "أفَلا تَعْقِلُونَ" يقول: أفليس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكّرون، فتعلمون أن من سلك من عباد الله في الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل بهم من عقوبة الله، مثل الذي نزل بهم على كفرهم بالله، وتكذيب رسوله، فيزجركم ذلك عما أنتم عليه من الشرك بالله، وتكذيب محمد عليه الصلاة والسلام.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على آثارهم ومنازلهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
توبيخ من الله للكفار الذين عاصروا النبي (صلى الله عليه وآله) وتعنيف لهم على ترك اعتبارهم وإيقاظهم بمواضع هؤلاء الذين أهلكهم الله ودمر عليهم مع كثرة مرورهم عليها صباحا ومساء وليلا ونهارا وفي كل وقت. ومن كثر مرورهم بمواضع العبرة فلم يعتبر كان ألوم ممن قل ذلك منه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
خاطب تعالى قريشاً، أو هو على معنى قل لهم يا محمد {وإنكم لتمرون عليهم}.
ذلك لأن القوم كانوا يسافرون إلى الشام والمسافر في أكثر الأمر إنما يمشي في الليل وفي أول النهار، فلهذا السبب عين تعالى هذين الوقتين.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان المقصود من مثل هذا تحذير المخالفين، وكان تجار قريش يرون البقعة التي كانت فيها أماكن قوم لوط، وهي البحيرة المعروفة، ولا يعتبرون بهم، عدّوا منكرين للمرور عليهم فأبرز لهم الكلام في سياق التأكيد فقيل: {وإنكم} أي فعلنا بهم هذا والحال أنكم يا معشر قريش.
{مصبحين} أي داخلين في الصباح الوقت الذي قلبنا مدائنهم عليهم فيه، ونص عليه للتذكير بحالهم فيه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
المرور: مجاوزة السائر بسيره شيئاً يتركه، والمراد هنا: مرورهم في السفر، وكان أهل مكة إذا سافروا في تجارتهم إلى الشام يمرّون ببلاد فلسطين فيمرون بأرض لوط على شاطئ البحر الميّت المسمّى بُحيرة لوط.
الخبر الذي في قوله: {وإنكم لتمُرُّون عليهم} مستعمل في الإِيقاظ والاعتبار لا في حقيقة الإِخبار، وتأكيدُه بحرف التوكيد وباللام تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه.
ثم يُذكّرنا الحق سبحانه بأن القصة في القرآن لا تُسَاق للتسلية، إنما تُساق للعبرة والعظة، فيقول: {وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} أي: على آثارهم في سدوم {مُّصْبِحِينَ} في الصباح.