وقوله : { أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ } أي : كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم ؟ كقوله : { وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 19 ] أي : يسألون عن ذلك يوم القيامة .
{ أمْ } منقطعة بمعنى ( بل ) وهي لا يفارقها معنى الاستفهام ، فالكلام بعدها مقدّر بهمزة الاستفهام ، أي بل أخلقنا الملائكة إناثاً . وضمير { خَلَقنا } التفات من الغيبة إلى التكلم وهو إذا استفتاهم يقول لهم : أم خلق الملائكة ، كما تقدم ، والاستفهام إنكاري وتعجيبي من جرأتهم وقولهم بلا علم .
وجملة { وهُم شاهِدُونَ } في موضع الحال وهي قيد للإِنكار ، أي كانوا حاضرين حين خلقنا الملائكة فشهدوا أنوثة الملائكة لأن هذا لا يثبت لأمثالهم إلا بالمشاهدة إذ لا قبل لهم بعلم ذلك إلا المشاهدة . وبَقي أن يكون ذلك بالخبر القاطع فذلك ما سينفيه بقوله : { أم لكم سلطان مبين } [ الصافات : 156 ] ، وذلك لأن أنوثة الملائكة ليست من المستحيل ولكنه قول بلا دليل .
وضمير : { وهُم شاهِدونَ } محكي بالمعنى في الاستفتاء . والأصل : وأنتم شاهدون ، كما تقدم آنفاً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره: أم شهد هؤلاء القائلون من المشركين: الملائكة بنات الله خلقيَ الملائكة وأنا أخلقهم إناثا، فشهدوا هذه الشهادة، ووصفوا الملائكة بأنها إناث.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: لم قال: {وَهُمْ شاهدون} فخصّ علم المشاهدة؟ قلت: ما هو إلا استهزاء بهم وتجهيل لهم؛ وذلك أنهم كما لم يعلموا ذلك بطريق المشاهدة، لم يعلموه بخلق الله علمه في قلوبهم، ولا بإخبار صادق، ولا بطريق استدلال ونظر...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
إنما خص علم المشاهدة لأن أمثال ذلك لا تعلم إلا بها، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف.
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
يقولون ذلك عن طمأنينة نفس لإفراط جهلهم كأنهم شاهدوا خلقهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أم خلقنا} أي على ما لنا من العظمة التي إن لم يقتض اختيار الأكمل لم يقتض الاختصاص بالأدون لأنها منافية بكل اعتبار للدناءة.
{الملائكة} أي الذين حكموا عليهم بالأنوثة، وهم من أعظم رسلنا وأجل خواصنا ولم يروا منهم أحداً ولا سبيل لهم إلى العلم بأحوالهم باعترافهم بذلك.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ}
إذن: أنتم مخطئون، بل جهلة أغبياء في قضيتين: الأولى: أنكم جعلتم الملائكة إناثاً، والأخرى: أنكم أخذتم الذكور لأنفسكم وتركتم لله البنات، فمَنْ قال لكم إن الملائكة بنات، فكلمة بنت وولد منشؤها الزوجية والتناسل، والملائكة لا يتزوجون ولا يتناسلون، ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة.
ثم إن الذي يحكم على الملائكة بأنهم إناثٌ لا بُدَّ أنْ يكون قد شهد خَلْقكم، والله يقول: {وَجَعَلُواْ الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19].
وقال في سورة الكهف: {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف: 51] الحق سبحانه يخبرنا بهذه الحقيقة
{وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف: 51] يعني: معاونين ومساعدين في عملية الخَلْقِ، فهو يفضح هؤلاء الذين سيأتون ويتحدّثون في مسألة الخلق كأنهم رأوْهَا، فيقولون: الملائكة إناث. ويقولون: الإنسان أصله قرد إلى آخر هذه الادعاءات.
الحق يُحذِّرنا منهم ليعطينا المناعة اللازمة لمواجهتهم، ويكفي أنْ نعلم أنّ هذه مسألة غيبية لا عِلْمَ لهم بها، إلا ما أخبرنا به الخالق سبحانه، ومع ذلك ترك لنا في الكون ما يُبيِّن صِدْقه فيما لم نشهد...
أما الملائكة فَلَهُمْ طبيعة خاصة لا تصلح للزوجية؛ لأنهم لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة، كما أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون.. إلخ وإنْ كانت هذه مسألة مخالفة للعقل، فخُذْها هي الأخرى ضمن الأشياء المخالفة للعقل، والتي يختبر بها إيمانك بالمغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك الله بها رصيدها أنك آمنتَ بالقائل المخْبِر بها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.