{ عَلَى الأرَائِكِ } وهي : السرر تحت الحِجَال ، { يَنْظُرُونَ } قيل : معناه : ينظرون في مُلكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل الذي لا ينقضي ولا يبيد . وقيل : معناه { عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ } إلى الله عز وجل . وهذا مقابله{[29857]} لما وُصف به أولئك الفجار : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } فذكر عن هؤلاء أنهم يباحون النظر إلى الله عز وجل وهم على سررهم وفرشهم ، كما تقدم في حديث ابن عمر : " إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفى سنة ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وإن أعلاه لمن ينظر إلى الله في اليوم مرتين " {[29858]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رّحِيقٍ مّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : عَلى الارَائِكِ يَنْظُرُونَ : على السرر في الحِجال ، من اللؤلؤ والياقوت ، ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم ، والحَبْرة في الجنان .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَلى الأرَائِكِ قال : من اللؤلؤ والياقوت .
قال : ثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حُصَين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس الأَرَائِكِ : السّرُر في الحَجال .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
على السرر في الحِجال، من اللؤلؤ والياقوت، ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم، والحَبْرة في الجنان...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قد ذكرنا أن كل ما تتشوق الأنفس، وتشتهي في الدنيا، فعلى مثله جرت البشارة لأهل الجنة في الدنيا. وذكر أن أهل اليمن، كان إذا شرف قدر أحدهم، وعلت رتبته في الدنيا، اتخذ لنفسه أريكة نسبت إليه؛ فيقال: هذه أريكة فلان، فجرت البشارة لأهلها بالأرائك لما يرغب إلى مثلها في الدنيا، لا أن أرائكها شبيهة بالأرائك التي تتخذ في الدنيا لأن أرائك الجنة مطهرة من الآفات التي هي آثار الفناء، لكنها ذكرت بهذا الاسم لما لا وجه للوصول إلى تعرفها بغير الاسم المعتاد في ما بين الخلق، والأريكة هي السرير في الحجال. وقوله تعالى: {ينظرون} يحتمل وجهين: أحدهما: أن يقع في الحجل، وذلك عند تلاقي الإخوان واجتماعهم على الشراب. والنظر الثاني: يكون إلى مملكته...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{يَنظُرُونَ} إلى ما شاءوا مدّ أعينهم إليه من مناظر الجنة،... وما تحجب الحجال أبصارهم عن الإدراك...
ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة؛
(أولها): قوله: {على الأرائك ينظرون} قال القفال: الأرائك الأسرة في الحجال، ولا تسمى أريكة فيما زعموا إلا إذا كانت كذلك، وعن الحسن: كنا لا ندري ما الأريكة حتى لقينا رجلا من أهل اليمن أخبرنا أن الأريكة عندهم ذلك.
أما قوله: {ينظرون} ففيه ثلاثة أوجه؛
(أحدها): ينظرون إلى أنواع نعمهم في الجنة من الحور العين والولدان، وأنواع الأطعمة والأشربة والملابس والمراكب وغيرها...
(والثاني): قال مقاتل: ينظرون إلى عدوهم حين يعذبون في النار.
(والثالث): إذا اشتهوا شيئا نظروا إليه فيحضرهم ذلك الشيء في الحال، واعلم أن هذه الأوجه الثلاثة من باب أنواع جنس واحد وهو المنظور إليه، فوجب حمل اللفظ على الكل، ويخطر ببالي تفسير رابع: وهو أشرف من الكل وهو أنهم ينظرون إلى ربهم ويتأكد هذا التأويل بما إنه قال بعد هذه الآية: {تعرف في وجوههم نضرة النعيم} والنظر المقرون بالنضرة هو رؤية الله تعالى على ما قال: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} ومما يؤكد هذا التأويل أنه يجب الابتداء بذكر أعظم اللذات، وما هو إلا رؤية الله تعالى...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقيل: معناه {عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ} إلى الله عز وجل. وهذا مقابله لما وُصف به أولئك الفجار: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} فذكر عن هؤلاء أنهم يباحون النظر إلى الله عز وجل وهم على سررهم وفرشهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{على الأرائك} أي الأسرة العالية مع هذا- العلو المطلق في الحجال التي يعيي الفكر وصفها لما لها من العلو من ترصيع اللؤلؤ والياقوت وغير ذلك مما لا يدخل تحت الحصر {ينظرون} أي إلى ما يشتهون من الجنان والأنهار والحور والولدان، ليس لهم شغل غير ذلك وما شابهه من المستلذات...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أي إنهم في موضع التكريم، ينظرون حيث يشاءون، لا يغضون من مهانة، ولا يشغلون عن النظر من مشقة.. وهم على الأرائك وهي الأسرة في الحجال. وأقرب ما يمثلها عندنا ما نسميه "الناموسية " أو الكلة! وصورتها الدنيوية كانت أرقى وأرق مظاهر النعيم عند العربي ذي العيشة الخشنة! أما صورتها الأخروية فعلمها عند الله. وهي على أية حال أعلى من كل ما يعهده الإنسان مما يستمده من تجاربه في الأرض وتصوراته!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{على الأرائك} خبر ثان عن الأبرار، أي هم على الأرائك، أي متكئون عليها. والأرائك: جمع أريكة بوزن سفينة، والأريكة: اسم لمجموع سَرير ووسادتِه وحَجلةٍ منصوبة عليهما، فلا يقال: أريكة إلا لمجموع هذه الثلاثة، وقيل: إنها حبشيَّة وتقدم عند قوله تعالى: {متكئين فيها على الأرائك} في سورة الإنسان (13). و {ينظرون} في موضع الحال من الأبرار. وحذف مفعول {ينظرون} إما لدلالة ما تقدم عليه من قوله في ضدهم: {إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} [المطففين: 15] والتقدير: ينظرون إلى ربهم، وإما لقصد التعميم، أي ينظرون كل ما يبهج نفوسهم ويسرهم بقرينة مقام الوعد والتكريم...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الأرائك»: جمع (أريكة)، وهي سرير مُنَجّد مزّين خاص بالملوك، أو سرير في حجلة، وجاءت في الآية بمعنى، الأسرة المزينة التي يتكئ عليها أهل الجنّة. وثمّة من يذهب إلى أنّها معربة من «اُرك» بمعنى قصر الملك في الفارسية، أو القلعة في وسط المدينة، وبما أنّ القلعة في وسط المدينة تكون للملوك عادة أطلق عليها هذه الكلمة، أو بمعنى عرش السلطان الذي يقال عنه بالفارسية «أراك»، ثمّ سمّيت العاصمة به (أراك) و«عراق» معرب «أراك» بمعنى مقر السلطان. فيما يقول آخرون أنّها من (الأراك) وهو شجر معروف تصنع منه الأسرة، وقيل أيضاً، إنّما سمّيت بذلك لكونها مكاناً للإقامة من (الأروك) وهو الإقامة. وجاءت «ينظرون» مطلقة، لإعطاء مفهوم السعة والشمول، فمسموح لهم النظر إلى لطف الباري وجماله، وإلى نعم الجنّة الباهرة، وإلى ما أودع فيها من رونق وبهاء.. وذلك لأنّ لذة النظر من اللذائذ الإنسانية التي تدخل الغبطة والسرور في الإنسان بشكل كبير وملموس...