{ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا } أي : فكيف أوحيَ إليكم وأنتم بشر ونحن بشر ، فلم لا أوحيَ إلينا مثلكم ؟ ولو كنتم رسلا لكنتم ملائكة . وهذه شبه{[24704]} كثير من الأمم المكذبة ، كما أخبر الله تعالى عنهم في قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن : 6 ] ، فاستعجبوا{[24705]} من ذلك وأنكروه . وقوله : { قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } [ إبراهيم : 10 ] . وقوله حكاية عنهم في قوله : { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ } [ المؤمنون : 34 ] ، { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا } ؟ [ الإسراء : 94 ] .
ولهذا قال هؤلاء : { مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } أي : أجابتهم رسلهم الثلاثة قائلين : الله يعلم أنا رسله إليكم ، ولو كنا كَذَبة عليه لانتقم منا أشد الانتقام ، ولكنه سيعزنا وينصرنا عليكم ، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار ، كقوله تعالى : { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ العنكبوت : 52 ] . {[24706]}
حكيت هذه المحاورة على سنن حكاية المحاورات بحكاية أقوال المتحاورين دون عطف .
و { ربنا يعلم } قَسَم لأنه استشهاد بالله على صدق مقالتهم ، وهو يمين قديمة انتقلها العرب في الجاهلية فقال الحارث بن عَبَّاد :
لم أكن من جُناتِها عَلِم الل *** ـه وإنِي لِحرّها اليومَ صالي
ويظهر أنه كان مغلّظاً عندهم لقلة وروده في كلامهم ولا يَكاد يقع إلا في مقام مهم . وهو عند علماء المسلمين يمين كسائر الأيمان فيها كفارة عند الحِنث . وقال بعض علماء الحنفية : إن لهم قولاً بأن الحالف به كاذباً تلزمه الردّة لأنه نسب إلى علم الله ما هو مخالف للواقع ، فآل إلى جعل علم الله جهلاً . وهذا يرمي إلى التغليظ والتحذير وإلا فكيف يكفر أحد بلوازم بعيدة .
واضطرهم إلى شدّة التوكيد بالقسم ما رأوا من تصميم كثير من أهل القرية على تكذيبهم . ويسمى هذا المقدار من التأكيد ضرباً إنكاريّاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا} فقالت الرسل {ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} وإن كذبتمونا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"قالُوا رَبّنا يَعْلَمُ إنّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ" يقول: قال الرسل: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون فيما دعوناكم إليه، وإنا لصادقون.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
لما أيسوا من إيمانهم وتصديقهم إياهم فزعوا إلى الله، وتضرّعوا إليه، وقالوا: إن الله أعلم بما نطلعكم بأنا إليكم مرسلون بالحجج والآيات...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{رَبُّنَا يَعْلَمُ} جار مجرى القسم في التوكيد، وكذلك قولهم: شهد الله، وعلم الله. وإنما حسن منهم هذا الجواب الوارد على طريق التوكيد والتحقيق مع قولهم:
{وَمَا عَلَيْنآ إِلاَّ البلاغ المبين}...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
راجعتهم الرسل بأن يردوا العلم إلى الله تعالى وقنعوا بعلمه...
إشارة إلى أنهم بمجرد التكذيب لم يسأموا ولم يتركوا، بل أعادوا ذلك لهم وكرروا القول عليهم وأكدوه باليمين، وقالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وأكدوه باللام، لأن يعلم الله يجري مجرى القسم؛ لأن من يقول يعلم الله فيما لا يكون قد نسب الله إلى الجهل وهو سبب العقاب، كما أن الحنث سببه، وفي قوله: {ربنا يعلم} إشارة إلى الرد عليهم حيث قالوا أنتم بشر؛ وذلك لأن الله إذا كان يعلم أنهم لمرسلون، يكون كقوله تعالى: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} يعني هو عالم بالأمور وقادر، فاختارنا بعلمه لرسالته.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قالوا} أي الرسل: {ربنا} أي الذي لو لم يكن لنا وازع عن الكذب عليه إلا إحسانه إلينا لكان كافياً.
{يعلم} أي ولذلك يظهر على أيدينا الآيات، ويحمينا ممن يكيدنا.
ولما واجهوهم بهذا التكذيب المبالغ في تأكيده زادوا في تأكيد جوابه فقالوا: {إنا إليكم} أي خاصة {لمرسلون} ما أتيناكم غلطاً ولا كذباً، فالأول ابتداء أخبار، وهذان جوابا إنكار، فأعطى كلاًّ ما يستحق.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
فيه تحذيرهم معارضة علم الله تعالى، وفي اختيار عنوان الربوبية رمز إلى حكمة الإرسال كما رمز الكفرة إلى ما ينافيه بزعمهم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
قالت هؤلاء الرسل الثلاثة: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فلو كنا كاذبين، لأظهر اللّه خزينا، ولبادرنا بالعقوبة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
في ثقة المطمئن إلى صدقه، العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل: (قالوا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون. وما علينا إلا البلاغ المبين).. إن الله يعلم. وهذا يكفي...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
حكيت هذه المحاورة على سنن حكاية المحاورات بحكاية أقوال المتحاورين دون عطف.
و {ربنا يعلم} قَسَم لأنه استشهاد بالله على صدق مقالتهم، وهو يمين قديمة انتقلها العرب في الجاهلية، ويظهر أنه كان مغلّظاً عندهم لقلة وروده في كلامهم ولا يَكاد يقع إلا في مقام مهم... واضطرهم إلى شدّة التوكيد بالقسم ما رأوا من تصميم كثير من أهل القرية على تكذيبهم. ويسمى هذا المقدار من التأكيد ضرباً إنكاريّاً...