معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

قوله تعالى : { خالدين فيها لا يبغون } لا يطلبون { عنها حولاً } ، أي تحولاً إلى غيرها . قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إلى دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

وقوله { خَالِدِينَ فِيهَا ْ } هذا هو تمام النعيم ، إن فيها النعيم الكامل ، ومن تمامه أنه لا ينقطع { لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ْ } أي : تحولا ولا انتقالا ، لأنهم لا يرون إلا ما يعجبهم ويبهجهم ، ويسرهم ويفرحهم ، ولا يرون نعيما فوق ما هم فيه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

83

ثم هذه اللفتة الدقيقة العميقة إلى طبيعة النفس البشرية وإحساسها بالمتاع في قوله ( لا يبغون عنها حولا ) . . وهي تحتاج منا إلى وقفة بإزاء ما فيها من عمق ودقة . .

إنهم خالدون في جنات الفردوس . . ولكن النفس البشرية حول قلب . تمل الإطراد ، وتسأم البقاء على حال واحدة أو مكان واحد ؛ وإذا اطمأنت على النعيم من التغير والنفاد فقدت حرصها عليه . وإذا مضى على وتيرة واحدة فقد تسأمه . بل قد تنتهي إلى الضيق به ؛ والرغبة في الفرار منه !

هذه هي الفطرة التي فطر عليها الإنسان لحكمة عليا تناسب خلافته للأرض ، ودوره في هذه الخلافة . فهذا الدور يقتضي تحوير الحياة وتطويرها حتى تبلغ الكمال المقدر لها في علم الله . ومن ثم ركز في الفطرة البشرية حب التغيير والتبديل ؛ وحب الكشف والاستطلاع ، وحب الانتقال من حال إلى حال ، ومن مكان إلى مكان ، ومن مشهد إلى مشهد ، ومن نظام إلى نظام . . وذلك كي يندفع الإنسان في طريقه ، يغير في واقع الحياة ، ويكشف عن مجاهل الأرض ، ويبدع في نظم المجتمع وفي أشكال المادة . . ومن وراء التغير والكشف والإبداع ترتقي الحياة وتتطور ؛ وتصل شيئا فشيئا إلى الكمال المقدر لها في علم الله .

نعم إنه مركوز في الفطرة كذلك ألفة القديم ، والتعلق بالمألوف ، والمحافظة على العادة . ولكن ذلك كله بدرجة لا تشل عملية التطور والإبداع ، ولا تعوق الحياة عن الرقي والارتفاع . ولا تنتهي بالأفكار والأوضاع إلى الجمود والركود . إنما هي المقاومة التي تضمن التوازن مع الاندفاع . وكلما اختل التوازن فغلب الجمود في بيئة من البيئات انبعثت الثورة التي تدفع بالعجلة دفعة قوية قد تتجاوز حدود الاعتدال . وخير الفترات هي فترات التعادل بين قوتي الدفع والجذب ، والتوازن بين الدوافع والضوابط في جهاز الحياة .

فأما إذا غلب الركود والجمود . فهو الإعلان بانحسار دوافع الحياة ، وهو الإيذان بالموت في حياة الأفراد والجماعات سواء .

هذه هي الفطرة المناسبة لخلافة الإنسان في الأرض . فأما في الجنة وهي دار الكمال المطلق . . فإن هذه الفطرة لا تقابلها وظيفة . ولو بقيت النفس بفطرة الأرض ، وعاشت في هذا النعيم المقيم الذي لا تخشى عليه النفاد ، ولا تتحول هي عنه ، ولا يتحول هو عنها لانقلب النعيم جحيما لهذه النفس بعد فترة من الزمان ؛ ولأصبحت الجنة سجنا لنزلائها يودون لو يغادرونه فترة ، ولو إلى الجحيم ، ليرضوا نزعة التغيير والتبديل !

ولكن باريء هذه النفس - وهو أعلم بها - يحول رغباتها ، فلا تعود تبغى التحول عن الجنة ، وذلك في مقابل الخلود الذي لا تحول له ولا نفاد !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : مقيمين ساكنين{[18581]} فيها ، لا يظعنون عنها أبدًا ، { لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا } أي : لا يختارون{[18582]} غيرها ، ولا يحبون سواها ، كما قال الشاعر{[18583]} :

فَحَّلْت سُوَيدا القَلْب لا أنَا بَاغيًا *** سواها ولا عَنْ حُبّها أتَحوّلُ

وفي قوله : { لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا } تنبيه على رغبتهم فيها ، وحبهم لها ، مع أنه قد يتوهم{[18584]} فيمن هو مقيم في المكان دائمًا أنه يسأمه أو يمله ، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي ، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنًا{[18585]} ولا رحلة{[18586]} ولا بدلا{[18587]}


[18581]:في ف، أ: "ماكثين".
[18582]:في ت: "لا تختارون".
[18583]:هو النابغة الجعدي، والبيت في مغني اللبيب (ص265) أ. هـ مستفادا من حاشية ط - الشعب.
[18584]:في أ: "أنه قد توهم".
[18585]:في ت: "ضعفا".
[18586]:في أ: "رحيله".
[18587]:في ت، ف، أ: "بديلا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

وقوله : خالِدِينَ يقول : لابثين فيها أبدا لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً يقول : لا يريدون عنها تحوّلاً ، وهو مصدر تحوّلت ، أخرج إلى أصله ، كما يقال : صغُر يصغُر صِغَرا ، وعاج يعوج عِوَجا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً قال : متحوّلاً .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : سمعت مخلد بن الحسين يقول : وسئل عنها ، قال : سمعت بعض أصحاب أنس يقول : قال : «يقول أوّلهم دخولاً إنما أدخلني الله أوّلهم ، لأنه ليس أحد أفضل مني ، ويقول آخرهم دخولاً : إنما أخرني الله ، لأنه ليس أحد أعطاه الله مثل الذي أعطاني » .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

{ خالدين فيها } حال مقدرة . { لا يبغون عنها حِولاً } تحولا إذ لا يجدون أطيب منها حتى تنازعهم إليه أنفسهم ، ويجوز أن يراد به تأكيد الخلود .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يَبۡغُونَ عَنۡهَا حِوَلٗا} (108)

قوله : { لا يبغون عنها حولاً } أي ليس بعدما حوته تلك الجنات من ضروب اللّذات والتمتع ما تتطلع النفوس إليه فتود مفارقة ما هي فيه إلى ما هو خير منه ، أي هم يجدون فيها كل ما يخامر أنفسهم من المشتهى .

والحِوَل : مصدر بوزن العِوج والصِغر . وحرف العلة يصحح في هذه الصيغة لكن الغالب فيما كان على هذه الزنة مصدرا التصحيحُ مثل : الحِول ، وفيما كان منها جمعاً الإعلال نحو : الحِيل جمع حِيلة . وهو من ذوات الواو مشتق من التحول .