قوله تعالى : { كغلي الحميم } كالماء الحار إذا اشتد غليانه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو بكر العبدوسي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد ، حدثنا سليمان بن يوسف ، حدثنا وهب ابن جرير ، حدثنا شعبة عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس اتقوا الله حق تقاته ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم ، فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره " .
وقوله : كالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ يقول تعالى ذكره : إن شجرة الزقوم التي جعل ثمرتها طعام الكافر في جهنم ، كالرصاص أو الفضة ، أو ما يُذاب في النار إذا أُذيب بها ، فتناهت حرارته ، وشدّت حميته في شدّة السواد .
وقد بيّنا معنى المهل فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع من الشواهد ، وذكر اختلاف أهل التأويل فيه ، غير أنا نذكر من أقوال أهل العلم في هذا الموضع ما لم نذكره هناك :
حدثنا سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، قال : سألت ابن عباس ، عن قول الله جلّ ثناؤه : كالمُهْلِ قال : كدرديّ الزيت .
حدثني عليّ بن سهل ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كالمُهْلِ يَغْلِي فِي البُطُونِ يقول : أسود كمهل الزيت .
حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب بن إبراهيم ، قالوا : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت مطرفا ، عن عطية بن سعد ، عن ابن عباس ، في قوله : كالمُهْلِ ماء غليظ كدرديّ الزيت .
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن مطرّف ، عن رجل ، عن ابن عباس في قوله : كالمُهْلِ قال : كدرديّ الزيت .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا خليد ، عن الحسن ، عن ابن عباس ، أنه رأى فضة قد أُذيبت ، فقال : هذا المهل .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا عمرو بن ميمون عن أبيه ، عن عبد الله ، في قوله : كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوه قال : دخل عبد الله بيت المال ، فأخرج بقايا كانت فيه ، فأوقد عليها النار حتى تلألأت ، قال : أين السائل عن المهل ، هذا المهل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ : وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن ابن مسعود سُئل عن المهل الذي يقولون يوم القيامة شراب أهل النار ، وهو على بيت المال ، قال : فدعا بذهب وفضة فأذابهما ، فقال : هذا أشبه شيء في الدنيا بالمهل الذي هو لون السماء يوم القيامة ، وشراب أهل النار ، غير أن ذلك هو أشدّ حرّا من هذا ، لفظ الحديث لابن بشار وحديث ابن المثنى نحوه .
حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب ، قالا : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أشعث ، عن الحسن ، قال : كان من كلامه أن عبد الله بن مسعود رجل أكرمه الله بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن عمر رضي الله عنه استعمله على بيت المال ، قال : فعمد إلى فضة كثيرة مكسرة ، فخدّ لها أُخدودا ، ثم أمر بحطب جزل فأوقد عليها ، حتى إذا امّاعت وتزبدت وعادت ألوانا ، قال : انظروا من بالباب ، فأُدخل القوم فقال لهم : هذا أشبه ما رأينا في الدنيا بالمُهْل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ طَعامُ الأثِيمِ . . . الآية ، ذُكر لنا أن ابن مسعود أُهديت له سقاية من ذهب وفضة ، فأمر بأخدود فخدّت في الأرض ، ثم قُذِف فيها من جزل الحطب ، ثم قذفت فيها تلك السقاية ، حتى إذا أزبدت وانماعت قال لغلامه : ادع من بحضرتنا من أهل الكوفة ، فدعا رهطا ، فلما دخلوا قال : أترون هذا ؟ قالوا نعم ، قال : ما رأينا في الدنيا شبيها للمهل أدنى من الذهب والفضة حين أزبد وانماع .
حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن سفيان الأسديّ ، قال : أذاب عبد الله بن مسعود فضة ، ثم قال : من أراد أن ينظر إلى المهل فلينظر إلى هذا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : يَوْمَ تَكُونُ السّماءُ كالمُهْلِ قال : كدُرديّ الزيت .
حدثني يحيى بن طلحة قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : كالمهل قال : كدردي الزيت .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشر ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : حدثنا أبو الصباح ، قال : سمعت يزيد بن أبي سمية يقول : سمعت ابن عمر يقول : هل تدرون ما المهل ؟ المهل مهل الزيت ، يعني آخره .
قال : ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا أبو الصباح الأيلي ، عن يزيد بن أبي سمية ، عن ابن عمر بمثله .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، عن درّاج أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : بِمَاءٍ كالمُهْلِ «كعَكر الزيت ، فإذا قرّبه إلى وجهه ، سقطت فروة وجهه فيه » .
قال : ثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يعمر بن بشر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا رشدين بن سعد ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن أبي السمح ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخُدْريّ ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .
وقوله : فِي البُطُونِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة والكوفة «تَغْلِي » بالتاء ، بمعنى أن شجرة الزقوم تغلي في بطونهم ، فأنثوا تغلي لتأنيث الشجرة . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الكوفة يَغْلِي بمعنى : طعام الأثيم يغلي ، أو المهل يغلي ، فذكّره بعضهم لتذكير الطعام ، ووجه معناه إلى أن الطعام هو الذي يغلي في بطونهم وبعضهم لتذكير المهل ، ووجهه إلى أنه صفة للمهل الذي يغلي .
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب كَغَلْي الحَمِيمِ يقول : يغلي ذلك في بطون هؤلاء الأشقياء كغلي الماء المحموم ، وهو المسخن الذي قد أوقد عليه حتى تناهت شدّة حرّه ، وقيل : حميم وهو محموم ؛ لأنه مصروف من مفعول إلى فعيل ، كما يقال : قتيل من مقتول .
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر : «تغلي » بالتاء على معنى : تغلي الشجرة ، وهي قراءة عمرو بن ميمون وأبي رزين والحسن والأعرج وابن محيصن وطلحة . وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص : «يغلي » على معنى : يغلي الطعام ، وهي قراءة مجاهد وقتادة والحسن بخلاف عنه . و : { الحميم } : الماء الساخن الذي يتطاير من غليانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.