وقوله : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } أي : مطبقة ، كما تقدم تفسيره في سورة البلد .
وقال ابن مَرْدُويه : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا علي بن سراج ، حدثنا عثمان بن خَرزَاذ ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : " مطبقة " .
وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن أسيد ، عن إسماعيل بن خالد{[30512]} عن أبي صالح قوله ، ولم يرفعه .
وقوله : { إنّها عَلَيهِمْ مُؤْصَدَةٌ } يقول تعالى ذكره : إن الحُطَمة التي وصفت صفتها عليهم ، يعني : على هؤلاء الهمّازين اللمّازين مُؤْصَدةٌ : يعني : مطبقة ، وهي تُهْمَز ولا تُهْمَز ، وقد قُرئتا جميعا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طَلْق ، عن ابن ظهير ، عن السديّ ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في مؤصدة : قال : مُطْبَقَة .
حدثني عبيد بن أسباط ، قال : ثني أبي ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية ، في قوله : { إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : مُطْبَقَة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : في النار رجل في شِعْب من شِعابها ينادي مقدار ألف عام : يا حنّان يا منّان ، فيقول ربّ العزّة لجبريل : أخرج عبدي من النار ، فيأتيها فيجدها مُطْبَقَة ، فيرجع فيقول : يا ربّ { إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } فيقول : يا جبريل فُكّها ، وأخرج عبدي من النار ، فيفكها ، ويخرج مثل الخيال ، فيُطرح على ساحل الجنة حتى يُنبت الله له شعرا ولحما ودما .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { إنّها عَلَيْهمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : مطْبَقة .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مضرس بن عبد الله ، قال : سمعت الضحاك { إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : مطبقة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : عليهم مغلقة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { إنّها علَيْهِمْ مُؤْصدَةٌ } : أي مطبقة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } قال : مطبقة .
هذه جملة يجوز أن تكون صفة ثالثة ل { نار اللَّه } [ الهمزة : 6 ] بدون عاطف ، ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وتأكيدها ب ( إنّ ) لتهويل الوعيد بما ينفي عنه احتمالَ المجاز أو المبالغة .
وموصدة : اسم مفعول من أوصد الباب ، إذا أغلقه غلقاً مطبقاً . ويقال : آاصد بهمزتين إحداهما أصلية والأخرى همزة التعدية ، ويقال : أصَدَ الباب فعلاً ثلاثياً ، ولا يقال : وصَد بالواو بمعنى أغلق .
وقرأ الجمهور : { موصدة } بواو بعد الميم على تخفيف الهمزة ، وقرأه أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم ويعقوب وخلف بهمزة ساكنة بعد الميم المضمومة .
ومعنى إيصادها عليهم : ملازمة العذاب واليأسُ من الإِفلات منه كحال المساجين الذين أغلق عليهم باب السجن تمثيلَ تقريب لشدة العذاب بما هو متعارف في أحوال الناس ، وحالُ عذاب جهنم أشد مما يبلغه تصور العقول المعتاد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
{ إنّها عَلَيهِمْ مُؤْصَدَةٌ } يقول تعالى ذكره : إن الحُطَمة التي وصفت صفتها عليهم ، يعني : على هؤلاء الهمّازين اللمّازين مُؤْصَدةٌ : يعني : مطبقة ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدها : مطبقة ، قاله الحسن والضحاك .
الثاني : مغلقة بلغة قريش ، يقولون : آصد الباب إذا أغلقه ، قاله مجاهد ..
الثالث : مسددة الجوانب لا ينفتح منها جانب ، قاله سعيد بن المسيب ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قال علي بن أبي طالب : أبواب النار بعضها فوق بعض . ...
واعلم أن الآية تفيد المبالغة في العذاب من وجوه؛
( أحدها ) : أن قوله : { لينبذن } يقتضي أنه موضع له قعر عميق جدا كالبئر.
( وثانيها ) : أنه لو شاء يجعل ذلك الموضع بحيث لا يكون له باب لكنه بالباب يذكرهم الخروج ، فيزيد في حسرتهم .
( وثالثها ) : أنه قال : { عليهم مؤصدة } ولم يقل : مؤصدة عليهم لأن قوله : { عليهم مؤصدة } يفيد أن المقصود أولا كونهم بهذه الحالة ، وقوله مؤصدة عليهم لا يفيد هذا المعنى بالقصد الأول . ...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
والظاهر أنها نار الآخرة ، إذ يئسوا من الخروج بإطباق الأبواب عليهم وتمدد العمد ، كل ذلك إيذاناً بالخلود إلى غير نهاية . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ إنها } وأشار إلى قهرهم وغلبتهم فقال : { عليهم } وآذن بسهولة التصرف في تعذيبهم وانقطاع الرجاء من خلاصهم بقوله معبراً باسم المفعول : { مؤصدة } أي مطبقة بغاية الضيق...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى إيصادها عليهم : ملازمة العذاب واليأسُ من الإِفلات منه كحال المساجين الذين أغلق عليهم باب السجن تمثيلَ تقريب لشدة العذاب بما هو متعارف في أحوال الناس ، وحالُ عذاب جهنم أشد مما يبلغه تصور العقول المعتاد . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
و«مؤصدة » من الإيصاد ، بمعنى الأحكام في غلق الباب . ولذلك تسمى الغرف الكائنة في داخل الجبال المخصصة لجمع الأموال «الوصيد » . هؤلاء في الحقيقة يقبعون في غرف تعذيب مغلقة الأبواب لا طريق للخلاص منها ، كما كانوا يجمعون أموالهم في الخزانات المغلقة الموصدة . ...