ثم وعظهم بما يرقق القلوب ، وبما يحمل العقلاء على شكر الله - تعالى - على نعمه فقال لهم : { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ . . } .
والاستفهام للإنكار . والطلع : اسم من الطلوع وهو الظهور ، وأصله ثمر النخل فى أول ما يطلع ، وهو بعد التلقيح يسمى خلالا - بفتح الخاء - ثم يصير بسرا ، فرطبا ، فتمرا .
والهضيم : اليانع والنضيج ، أو الرطب اللين اللذيذ الذى تداخل بعضه فى بعض وهو وصف للطلع الذى قصد به الثمار الناضجة الطيبة لصيرورته إليها .
والمعنى : أتظنون أنكم متروكون بدون حساب أو سؤال من خالقكم - عز وجل - وأنتم تتقلبون فى نعمه التى منها ما أنتم فيه من بساتين وأنهار وزروع كثيرة متنوعة .
إن كنتم تظنون ذلك ، فأقلعوا عن هذا الظن ، واعتقدوا بأنكم أنتم وما بين أيديكم من نعم ، إلى زوال ، وعليكم أن تخلصوا لخالقكم العبادة والشكر لكي يزيدكم من فضله . .
فأنت ترى أن - صالحا - عليه السلام قد استعمل مع قومه أرق ألوان الوعظ ، لكي يوقظ قلوبهم الغافلة ، نحو طاعة الله - تعالى - وشكره ، وقد استعمل فى وعظه لفت أنظارهم إلى ما يتقلبون فيه من نعم تشمل البساتين والعيون ، الزروع المتعددة ، والنخيل الجيدة الطلع ، اللذيذة الطعم ، حتى لكأن ثمرها لجودته ولينه ، لا يحتاج إلى هضم فى البطون .
ثم يزيد ما هو من شأن ثمود خاصة ، وما تقتضيه طبيعة الموقف وطبيعة الظروف . إذ يذكرهم أخوهم صالح بما هم فيه من نعمة - [ وقد كانوا يسكنون بالحجر بين الشام والحجاز ، وقد مر النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بدورهم المدمرة مع صحابته في غزوة تبوك ] - ويخوفهم سلب هذه النعمة ، كما يخوفهم ما بعد المتاع من حساب على ما كان من تصرفهم فيه :
أتتركون فيما ها هنا آمنين . في جنات وعيون . وزروع ونخل طلعها هضيم . وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ? .
وإنهم ليعيشون بين هذا المتاع الذي يصوره لهم أخوهم صالح . ولكنهم يعيشون في غفلة عنه لا يفكرون فيمن وهبهم إياه ؛ ولا يتدبرون منشأه ومأتاه ، ولا يشكرون المنعم الذي أعطاهم هذ النعيم . فيأخذ رسولهم في تصوير هذا المتاع لهم ليتدبروه ويعرفوا قيمته ، ويخافوا زواله .
وفيما قاله لهم لمسات توقظ القلوب الغافية ، وتنبه فيها الحرص والخوف : ( أتتركون في ما هاهنا آمنين ? )أتظنون أنكم متروكون لهذا الذي أنتم فيه من دعة ورخاء ومتعة ونعمة . . وسائر ما يتضمنه هذا الإجمال من تفخيم وتضخيم . . أتتركون في هذا كله آمنين لا يروعكم فوت ، ولا يزعجكم سلب ، ولا يفزعكم تغيير ?
أتتركون في هذا كله من جنات وعيون ، وزروع متنوعات ، ونخل جيدة الطلع ، سهلة الهضم حتى كأن جناها مهضوم لا يحتاج إلى جهد في البطون ! وتتركون في البيوت تنحتونها في الصخور بمهارة وبراعة ، وفي أناقة وفراهة ?
ثم ذكرهم آلاء الله عليهم فقال : { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ ( 146 ) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ( 147 ) } .
يقول لهم واعظًا لهم ومحذرًا إياهم نقم{[21822]} الله أن تحل بهم ، ومذكرًا بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارّة ، وجعلهم في أمن من المحذورات . وأنبت لهم من الجنات{[21823]} ، وأنبع لهم من العيون الجاريات ، وأخرج لهم من الزروع والثمرات ؛ ولهذا قال : { وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عن الخير، فقال سبحانه: {في جنات وعيون}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 146]
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل صالح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم في هذه الدنيا آمنين، لا تخافون شيئا. "فِي جَنَاتٍ وَعُيُونٍ "يقول: في بساتين وعيون ماء. "وَزُرُوعٍ ونَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ" يعني بالطلع: الكُفُرّى.
واختلف أهل التأويل في معنى قوله "هَضِيمٌ" فقال بعضهم: معناه اليانع النضيج... وقال آخرون: بل هو المتهشم المتفتت... قال مجاهد: إذا مسّ تهشّم وتفتّت، قال: هو من الرطب هضيم تقبض عليه فتهضمه.
وقال آخرون: هو الراكب بعضه بعضا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: الهضيم: هو المتكسر من لينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتحيّفه، فكذلك الهضم في الطلع، إنما هو التنقص منه من رطوبته ولينه إما بمسّ الأيدي، وإما بركوب بعضه بعضا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم عدد نعمهم التي كانوا فيها، فقال: أنتم "في جنات "وهي البساتين التي يسترها الشجر "وعيون" جارية.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ثم فسره بقوله: {فِى جنات وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} وهذا أيضاً إجمال ثم تفصيل.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وفي جنات: بدل من ما ههنا أجمل، ثم فصل، كما أجمل هود عليه السلام في قوله: {أمدكم بما تعلمون}، ثم فصل في قوله: {أمدكم بأنعام وبنين}، وكانت أرض ثمود كثيرة البساتين والماء والنخل.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 146]
... يقول لهم واعظًا لهم ومحذرًا إياهم نقم الله أن تحل بهم، ومذكرًا بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارّة، وجعلهم في أمن من المحذورات. وأنبت لهم من الجنات، وأنبع لهم من العيون الجاريات، وأخرج لهم من الزروع والثمرات؛ ولهذا قال: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان للتفسير بعد الإجمال شأن. بين ما أجمل بقوله مذكراً لهم بنعمة الله ليشكروها: {في جنات} أي بساتين تستر الداخل فيها وتخفيه لكثرة أشجارها {وعيون} تسقيها مع ما لها من البهجة وغير ذلك من المنافع.
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 146]
أي لا تظنوا أنكم تتركون في دياركم آمنين متمتعين بالجنات والعيون والزروع والثمار اليانعة، وأن لا دار للجزاء على العمل. بل عليكم أن تتذكروا أن ما أنتم فيه من نعيم، وأمن من عدو، لن يدوم وأنكم عائدون إلى ربكم، مجازون على أعمالكم خيرها وشرها.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 146]
... أي أتحسبون أنكم تتركون في هذه الخيرات والنعم سدى تتنعمون وتتمتعون كما تتمتع الأنعام وتتركون سدى لا تؤمرون ولا تنهون وتستعينون بهذه النعم على معاصي الله.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 146]
أتتركون في هذا كله من جنات وعيون، وزروع متنوعات، ونخل جيدة الطلع، سهلة الهضم حتى كأن جناها مهضوم لا يحتاج إلى جهد في البطون! وتتركون في البيوت تنحتونها في الصخور بمهارة وبراعة، وفي أناقة وفراهة؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قوله: {في جنات} ينبغي أن يعلَّق ب {آمنين} ليكون مجموع ذلك تفصيلاً لإجمال اسم الإشارة، أي اجتمع لهم الأمن ورَفاهية العيش. والجنات: الحوائط التي تشجر بالنخيل والأعناب.
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية: -مشروعية التذكير بالنعم ليذكر المنعم فيُحب ويُطاع.