{ نَبِّئْ عِبَادِي } أي : أخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالأدلة ، { أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته ، ومغفرته سَعَوا في الأسباب{[456]} الموصلة لهم إلى رحمته وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها ، لينالوا مغفرته .
والخطاب في قوله - تعالى - : { نبئ عبادى . . } للرسول صلى الله عليه وسلم والنبأ : الخبر العظيم . والمراد { بعبادى } : المؤمنون منهم ، والإِضافة للتشريف .
أى : أخبر - أيها الرسول الكريم - عبادى المؤمنين أنى أنا الله - تعالى - الكثير المغفرة لذنوبهم ، الواسع الرحمة لمسيئهم ، وأخبرهم - أيضًا - أن عذابى هو العذاب الشديد الإِيلام ، فعليهم أن يقدموا القول الطيب ، والعمل الصالح ، لكى يظفروا بمغفرتى ورحمتى ، وينجو من عذابى ونقمتى .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد جمع في هاتين الآيتين بين المغفرة والعذاب ، وبين الرحمة والانتقام ، وبين الوعد والوعيد ، لبيان سنته - سبحانه - في خلقه ، ولكى يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء ، فلا يقنط من رحمة الله ، ولا يقصر في أداء ما كلفه - سبحانه - به .
وقدم - سبحانه - نبأ الغفران والرحمة ، على نبأ العذاب والانتقام ، جريا على الأصل الذي ارتضته مشيئته ، وهو أن رحمته سبقت غضبه ، ومغفرته سبقت انتقامه .
والضمير " أنا " و " هو " في الآيتين الكريمتين ، للفصل ؛ لإِفادة تأكيد الخبر .
قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وفى الآيتين لطائف :
إحداها : أنه أضاف - سبحانه - العباد إلى نفسه بقوله { عبادى } وهذا تشريف عظيم لهم . . .
وثانيها . أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة : أولها : قوله { أنى } وثانيها قوله { أنا } ، وثالثها . إدخال حرف الألف واللام على قوله { الغفور الرحيم } ، ولما ذكر العذاب لم يقل : إنى أنا المعذب ، بل قال { وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم } .
وثالثها : أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى ، فكأنه أشهده على نفسه في التزام المغفرة والرحمة .
ورابعها : أنه لما قال { نبئ عبادى } كان معناه نبئ كل من كان معترفًا بعبوديتى ، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع . فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصى ، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله - تعالى - .
وقال الآلوسى : وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله - تعالى - خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله - تعالى - من العذاب ، لم يأمن من النار " .
وأخرج عبد بن حميد وجماعة عن قتادة أنه قال في الآية : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو يعلم قدر عفو الله - تعالى - لما تورع من حرام ، ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه " .
وقوله : نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أخبر عبادي يا محمد ، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا ، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها ، الرحيم بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها عليها . وأنّ عَذابِي هُو العَذَابُ الأليمُ يقول : وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصرّ على معاصيّ وأقام عليها ولم يتب منها ، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب . وهذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه ، وأمر منه لهم بالإنابة والتوبة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ وأنّ عَذَابِي هُو العَذَابُ الألِيمُ قال : بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «لوْ يَعلمُ العبدُ قَدْر عَفْوِ اللّهِ ما تورّعَ من حرام ، وَلَو يَعلم قَدْر عَذابِهِ لَبخَع نفسَه » .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا ابن المكيّ ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرنا مصعب بن ثابت ، قال : حدثنا عاصم بن عبد الله ، عن ابن أبي رباح ، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : طَلَع عَلْيَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، فقال : «ألا أرَاكُمْ تَضْحَكُونَ ؟ » ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع رجع إلينا القهقري ، فقال : «إنّي لمّا خَرَجْتُ جاءَ جَبْرَئِيلُ صلى الله عليه وسلم فَقالَ : يا مُحَمّد إنّ اللّهَ يَقُولُ : لِمَ تُقَنّطُ عِبادِي ؟ نَبّىءْ عِبادِي أنّي أنا الغَفُورُ الرّحِيمُ وأنّ عَذَابِي هُو العَذَابُ الألِيمُ » .
و { نبىء } معناه أعلم ، و { عبادي } مفعول ب { نبىء } ، وهي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، ف { عبادي } مفعول و «أن » تسد مسد المفعولين الباقيين واتصف ذلك وهي وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد ، ألا ترى أنك إذا قلت أعجبني أن زيداً منطلق إنما المعنى أعجبني انطلاق زيد لأن دخولها إنما هو على جملة ابتداء وخبر فسدت لذلك مسد المفعولين .
قال القاضي أبو محمد : وقد تتعدى { نبىء } إلى مفعولين فقط ومنه قوله تعالى { من أنبأك هذا }{[7183]} [ التحريم : 3 ] ، وتكون في هذا الموضع بمعنى أخبر وعرف ، وفي هذا كله نظر ، وهذه آية ترجية وتخويف ، وروي في هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو يعلم العبد قدر عفو الله لنا تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه »{[7184]} وروي في هذه الآية أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه عند باب بني شيبة في الحرم ، فوجدهم يضحكون ، فزجرهم ووعظهم ثم ولى فجاءه جبريل عن الله ، فقال : يا محمد أتقنط عبادي ؟ وتلا عليه الآية ، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأعلمهم{[7185]} .
قال القاضي أبو محمد : ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها ، إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة فأكد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {نبئ عبادي}، يقول: أخبر عبادي، {أني أنا الغفور} لذنوب المؤمنين، {الرحيم}، لمن تاب منهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
أخبر عبادي يا محمد، أني أنا الذي أستر على ذنوبهم إذا تابوا منها وأنابوا، بترك فضيحتهم بها وعقوبتهم عليها، "الرحيم "بهم أن أعذّبهم بعد توبتهم منها عليها.
"وأنّ عَذابِي هُو العَذَابُ الأليمُ" يقول: وأخبرهم أيضا أن عذابي لمن أصرّ على معاصيّ وأقام عليها ولم يتب منها، هو العذاب الموجع الذي لا يشبهه عذاب. وهذا من الله تحذير لخلقه التقدم على معاصيه، وأمر منه لهم بالإنابة والتوبة.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر عباد الله الذين خلقهم لعبادته على وجه الترغيب لهم في طاعته والتخويف عن معصيته، بأني أنا الذي أعفو وأستر على عبادي معاصيهم، ولا أفضحهم بها يوم القيامة إذا تابوا منها، لرحمتي وإنعامي عليهم.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لمَّا ذَكَرَ حديثَ المتقين وما لهم من علوِّ المنزلة انكسرت قلوب العاصين، فَتَدارَك اللَّهُ قلوبهم، وقال لنبيِّه- صلى الله عليه وسلم -أخبر عبادي العاصين أني غفور رحيم، وأني إنْ كنتُ الشكورَ الكريمَ بالمطيعين فأنا الغفورُ الرحيمُ بالعاصين...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
{نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} ثم قال في عقبه {وأن عذابي هو العذاب الأليم} لئلا يستولي عليك الرجاء بمرة. [منهاج العابدين: 257].
إحداها: أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله: {عبادي} وهذا تشريف عظيم. ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله: {سبحان الذي أسرى بعبده}.
وثانيها: أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة:
وثالثها: إدخال حرف الألف واللام على قوله: {الغفور الرحيم}
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
هذه الآية وزان قوله عليه السلام: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. وقد تقدم في الفاتحة. وهكذا ينبغي للإنسان أن يذكر نفسه وغيره فيخوّف ويرجّي، ويكون الخوف في الصحة أغلب عليه منه في المرض.. والقنوط إياس، والرجاء إهمال، وخير الأمور أوساطها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان المفهوم من هذا السياق أن الناجي إنما هو المتقي المخلص الذي ليس للشيطان عليه سلطان، وكان مفهوم المخلص من لا شائبة فيه، وكان الإنسان محل النقصان، وكان وقوعه في النقص منافياً للوفاء بحق التقوى والإخلاص، وكان ربما أيأسه ذلك من الإسعاد، فأوجب له التمادي في البعاد، قال سبحانه -جواباً لمن كأنه قال: فما حال من لم يقم بحق التقوى؟ {نبئ عبادي} أي أخبرهم إخباراً جليلاً {أني أنا} أي وحدي {الغفور الرحيم} أي الذي أحاط- محوه للذنوب وإكرامه لمن يريد -بجميع ما يريد، لا اعتراض لأحد عليه.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{نَبِّئْ عِبَادِي} أي: أخبرهم خبرا جازما مؤيدا بالأدلة، {أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} فإنهم إذا عرفوا كمال رحمته، ومغفرته سَعَوا في الأسباب الموصلة لهم إلى رحمته وأقلعوا عن الذنوب وتابوا منها لينالوا مغفرته.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يتضمن هذا الدرس نماذج من رحمة الله وعذابه، ممثلة في قصص إبراهيم وبشارته على الكبر بغلام عليم، ولوط ونجاته وأهله إلا امرأته من القوم الظالمين، وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر وما حل بهم من عذاب أليم. هذا القصص يساق بعد مقدمة: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم فيجيء بعضه مصداقا لنبأ الرحمة، ويجيء بعضه مصداقا لنبأ العذاب.. كذلك هو يرجع إلى مطالع السورة، فيصدق ما جاء فيها من نذير: (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون. وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون).. فهذه نماذج من القرى المهلكة بعد النذر، حل بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل.. وكذلك يصدق هذا القصص ما جاء في مطالع السورة في شأن الملائكة حين يرسلون (وقالوا:يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون. لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين. ما ننزل الملائكة إلا بالحق، وما كانوا إذن منظرين) فتبدو السورة وحدة متناسقة، يظاهر بعضها بعضا.. وذلك مع ما هو معلوم من أن السور لم تكن تنزل جملة إلا نادرا، وأن الآيات الواردة فيها لم تكن تنزل متتالية تواليها في المصحف. ولكن ترتيب هذه الآيات في السور ترتيب توقيفي، فلا بد من حكمة في ترتيبها على هذا النسق. وقد كشفت لنا جوانب من هذه الحكمة حتى الآن في السور التي عرضناها في تماسك بنيان السور، واتحاد الجو والظلال في كل سورة.. والعلم بعد ذلك لله. إنما هو اجتهاد. والله الموفق إلى الصواب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذا تصدير لذكر القصص التي أريد من التذكير بها الموعظة بما حلّ بأهلها، وهي قصة قوم لوط وقصة أصحاب الأيكة وقصة ثمود. وابتدئ ذلك بقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما فيها من كرامة الله له تعريضاً بالمشركين إذ لم يقتفوا آثاره في التوحيد. فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وهو مرتبط بقوله في أوائل السورة: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [سورة الحجر: 4]. وابتداء الكلام بفعل الإنباء لتشويق السامعين إلى ما بعده كقوله تعالى: {هل أتاك حديث الجنود} [سورة البروج: 17] ونحوه. والمقصود هو قوله تعالى الآتي: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} [سورة الحجر: 51]. وإنما قدم الأمر بإعلام الناس بمغفرة الله وعذابه ابتداء بالموعظة الأصلية قبل الموعظة بجزئيات حوادث الانتقام من المعاندين وإنجاء من بينهم من المؤمنين لأن ذلك دائر بين أثر الغفران وبين أثر العذاب.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
قال الله تعالى:"نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم" الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تقريب لمن في قلوبهم رجاء الإيمان، وترهيب لمن يصرون على الشر إصرارا، والتنبيئ: الأخبار الخطيرة ذات الشأن، وأي خطر أعظم من أن يكون منعا لليأس من رحمة الله تعالى، وأعظم من منع يستمر في غيه، سادرا عن طريق الله تعالى. {نبئ عبادي} أخبرهم ذلك الخبر الخطير في ذاته، الدال على عظمة الخالق في رحمته وفي عذابه...
وإن هذا الغفران من مقتضى رحمته لأنه يريد لعباده أن يكونوا أطهارا وأن يموتوا أطهارا، ومن تدنس من أدناس العصيان يطالبه بأن يرحضه عن نفسه، ليغفر له برحمته، ويريد من عباده أن يعلموا الصبر والشكر نهاية أعمالهم في الدنيا.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
في بداية هذا الربع قرر كتاب الله مبدأ أساسيا في العقيدة الإسلامية، عليه يقوم الثواب والعقاب، وبه يرتبط الخوف والرجاء، فقال تعالى في إيجاز وإعجاز: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم} فمن أراد رحمة الله سعى لها سعيها، ومن أراد غير ذلك نال الجزاء الذي يستحقه، ولا يظلمون فتيلا.
والخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والإنباء هو الإخبار بأمر له خطورته وعظمته؛ ولا يقال (نبئ) في خبر بسيط. وسبق أن قال الحق سبحانه عن هذا النبأ: {عم يتساءلون "1 "عن النبأ العظيم "2 "} (سورة النبأ). وقال سبحانه أيضاً عن النبأ: {قل هو نبأ عظيم" 67 "أنتم عنه معرضون" 68 "} (سورة ص). ونفهم من القول الكريم أنه الإخبار بنبأ الآخرة ما سوف يحدث فيها، وهنا يأتي سبحانه بخبر غفرانه ورحمته الذي يختص به عباده المخلصين المتقين الذين يدخلون الجنة، ويتمتعون بخيراتها خالدين فيها. ولقائل أن يسأل: أليست المغفرة تقتضي ذنباً؟ ونقول: إن الحق سبحانه خلقنا ويعلم أن للنفس هواجس؛ ولا يمكن أن تسلم النفس من بعض الأخطاء والذنوب والوسوسة؛ بدليل أنه سبحانه قد حرم الكثير من الأفعال على المسلم؛ حماية للفرد وحماية للمجتمع أيضاً، ليعيش المجتمع في الاستقرار الآمن.فقد حرم الحق سبحانه على المسلم السرقة والزنا وشرب الخمر، وغيرها من الموبقات والخطايا، والهواجس التي تقوده إلي الإفساد في الأرض، ومادام قد حرم كل ذلك فهذا يعني أنها سوف تقع، ونزل منهجه سبحانه محرماً ومجرماً لمن يفعل ذلك، كما يلزم كل المؤمنين به بضرورة تجنب هذه الخطايا. وهنا يوضح سبحانه أن من يغفل من المؤمنين ويرتكب معصية ثم يتوب عنها، عليه ألا يؤرق نفسه بتلك الغفلات؛ فسبحانه رءوف رحيم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
"نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" أخبرهم هذه الحقيقة، ليقودهم ذلك إلى الرجوع إليّ من موقع الإحساس بأن الخطيئة يمكن أن تذوب أمام المغفرة، وبأن الخاطئ يمكن أن يأمل بالرحمة، ليبدأ من جديد حركة المسؤولية في الخط المستقيم، في جوّ روحيٍّ حميمٍ، يبعده عن نوازع اليأس...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
بعد أن عرض القرآن الكريم النعم الجليلة التي ينالها المتقون في الجنّة بذلك الرونق المؤثر الذي يوقع المذنبين والعاصين في بحار لجية من الغم والحسرة ويجعلهم يقولون: يا ليتنا نصيب بعض هذه المواهب، فهناك، يفتح اللّه الرحمن الرحيم أبواب الجنّة لهم ولكن بشرط، فيقول لهم بلهجة ملؤها المحبّة والعطف والرحمة وعلى لسان نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): (نبيء عبادي أنّي أنا الغفور الرحيم). إِنّ كلمة «عبادي» لها من اللطافة ما يجذب كل إِنسان، وحينما يختم الكلام ب (الغفور الرحيم) يصل ذلك الجذب إلى أوج شدته المؤثرة.