مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{۞نَبِّئۡ عِبَادِيٓ أَنِّيٓ أَنَا ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (49)

قوله تعالى : { نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم }

في الآية مسألتان :

المسألة الأولى : أثبتت الهمزة الساكنة في ( نبىء ) صورة ، وما أثبتت في قوله : { دفء . وجزء } لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيرا وتلقى حركتها على الساكن قبلها ، ف( نبىء ) في الخط على تحقيق الهمزة ، وليس قبل همزة ( نبىء ) ساكن فاجرؤها على قياس الأصل .

المسألة الثانية : اعلم أن عباد الله قسمان : منهم من يكون متقيا ، ومنهم من لا يكون كذلك ، فلما ذكر الله تعالى أحوال المتقين في الآية المتقدمة ، ذكر أحوال غير المتقين في هذه الآية فقال : { نبىء عبادي } .

واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، فههنا وصفهم بكونهم عبادا له ، ثم أثبت عقيب ذكر هذا الوصف الحكم بكونه غفورا رحيما ، فهذا يدل على أن كل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كون الله غفورا رحيما ومن أنكر ذلك كان مستوجبا للعقاب الأليم . وفي الآية لطائف : إحداها : أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله : { عبادي } وهذا تشريف عظيم . ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله : { سبحان الذي أسرى بعبده } . وثانيها : أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة : أولها : قوله : { إني } . وثانيها : قوله : { أنا } . وثالثها : إدخال حرف الألف واللام على قوله : { الغفور الرحيم }