قوله تعالى : { وحفظناها من كل شيطان رجيم } ، مرجوم . وقيل : ملعون . قال ابن عباس : كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات وكانوا يدخلونها ، ويأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة ، فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سماوات ، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السماوات أجمع ، فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب ، فلما منعوا من تلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس فقال : لقد حدث في الأرض حدث ، قال : فبعثهم فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن ، فقالوا : هذا والله ما حدث .
ثم وضح - سبحانه - بأن هذا التزيين للسماء ، مقرون بالحفظ والصيانة والطهارة من كل رجس فقال - تعالى - { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } .
والمراد بالشيطان هنا : المتمرد من الجن ، مشتق من شطن بمعنى بعد ، إذ الشيطان بعيد بطبعه عن كل خير .
والرجيم ، أى المرجوم المحقر ، مأخوذ من الرجم ، لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحداً رجموه بالقطع من الحجارة ، وقد كان العرب يرجمون قبر أبى رغال الثقفى ، الذي أرشد جيش الحبشة إلى مكة لهدم الكعبة .
إذا مات الفرزدق فارجموه . . . كما ترمون قبر أبى رغال
والمعنى : ولقد جعلنا في السماء منازل وطرقا للكواكب ، وزيناها - أى السماء - للناظرين إليها ، وحفظناها من كل شيطان محقر مطرود من رحمتنا بأن منعناه من الاستقرار فيها ، ومن أن ينفث فيها شروره ومفاسده ، لأنها موطن الأخيار الأطهار .
قال - تعالى - : { إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } وقال - تعالى - : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ . . . . }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلّ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ * إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مّبِينٌ } .
يقول تعالى ذكره : وحفظنا السماء الدنيا من كلّ شيطان لعين قد رجمه الله ولعنه . إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ يقول : لكن قد يسترق من الشياطين السمع مما يحدث في السماء بعضها ، فيتبعه شهاب من النار مبين يبين أثره فيه ، إما بإخباله وإفساده أو بإحراقه .
وكان بعض نحويي أهل البصرة يقول في قوله : إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو استثناء خارج ، كما قال : ما أشتكي إلا خيرا ، يريد : لكن أذكر خيرا . وكان ينكر ذلك من قيله بعضهم ، ويقول : إذا كانت «إلا » بمعنى «لكن » عملت عمل «لكن » ، ولا يحتاج إلى إضمار «أذكر » ، ويقول : لو احتاج الأمر كذلك إلى إضمار «أذكر » احتاج قول القائل : قام زيد لا عمرو إلى إضمار «أذكر » .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع ، قال : فيفرد المارد منها فيعلو ، فيرمى بالشهاب فيصيب جبهته أو حيث شاء الله منه فيلتهب ، فيأتي أصحابه وهو يلتهب ، فيقول : إنه كان من الأمر كذا وكذا . قال : فيذهب أولئك إلى أخوانهم من الكهنة ، فيزيدون عليه أضعافه من الكذب ، فيخبرونهم به ، فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدّقوهم بما جاءوهم به من الكذب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : وَحَفِظْناها مِنْ كُلّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال : أراد أن يخطف السمع ، وهو كقوله : إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ وهو نحو قوله : إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ قال : خطف الخطفة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ هو كقوله : إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقبٌ كان ابن عباس يقول : إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل وتخرج من غير أن تقتل .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : مِنْ كُلّ شَيْطانٍ رَجيمٍ قال : الرجيم : الملعون . قال : وقال القاسم عن الكسائي إنه قال : الرجم في جميع القرآن : الشتم .
و «حفظ السماء » هو بالرجم بالشهب «على ما تضمنته الأحاديث الصحاح . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن الشياطين تقرب من السماء أفواجاً « ، قال : فينفرد المارد منها ، فيعلو فيسمع ، فيرمى بالشهاب . فيقول لأصحابه - وهو يلتهب - إنه من الأمر كذا وكذا - فيزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة ، فيزيدون مع الكلمة مائة ونحو هذا . . . الحديث{[7142]} . وقال ابن عباس : إن الشهب تجرح وتؤذي ولا تقتل ، وقال الحسن : تقتل .
قال القاضي أبو محمد : وفي الأحاديث ما يدل على أن الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام وحفظ السماء حفظاً تاماً . وقال الزجاج : لم يكن إلا بعد النبي عليه السلام ، بدليل أن الشعراء لم يشبهوا به في السرعة إلا بعد الإسلام . وذكر الزهراوي عن أبي رجاء العطاردي أنه قال : كنا لا نرى الرجم بالنجوم قبل الإسلام .
و { رجيم } فعيل بمعنى مفعول . فإما من رجم الشهب ، وإما من الرجم الذي هو الشتم والذم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.