معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (25)

قوله تعالى : { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر } وبالكتب { وبالكتاب المنير } الواضح كرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (25)

وقوله : وَإنْ يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول تعالى ذكره مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يلقى من مشركي قومه من التكذيب : وإن يكذّبك يا محمد مشركو قومك ، فقد كذّب الذين من قبلهم من الأمم الذين جاءتهم رسلهم بالبينات يقول : بحجج من الله واضحة . وبالزّبُر يقول : وجاءتهم بالكتب من عند الله ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : بالبَيّناتِ وبِالزّبُرِ أي الكتب .

وقوله : وَبالكِتابِ المُنِيرِ يقول : وجاءهم من الله الكتاب المنير لمن تأمّله وتدبّره أنه الحقّ ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَبالكِتابِ المُنِيرِ يضعف الشيء وهو واحد .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (25)

أعقب الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم بتسليته على تكذيب قومه وتأنيسه بأن تلك سنة الرسل مع أممهم .

وإذ قد كان سياق الحديث في شأن الأمم جعلت التسلية في هذه الآية بحال الأمم مع رسلهم عكس ما في آية آل عمران ( 184 ) : { فإن كذبوك فقد كذّب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير } لأن سياق آية آل عمران كان في ردّ محاولة أهل الكتاب إفحام الرسول لأن قبلها { الذين قالوا إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } [ آل عمران : 183 ] .

وقد خولف أيضاً في هذه الآية أسلوب آية آل عمران إذ قرن كل من « الزبر والكتاب المنير » هنا بالباء ، وجُرّدا منها في آية آل عمران وذلك لأن آية آل عمران جرت في سياق زعم اليهود أن لا تقبل معجزة رسول إلا معجزة قُربان تأكله النار ، فقيل في التفرد ببهتانهم : قد كُذّبت الرسل الذين جاء الواحد منهم بأصناف المعجزات مثل عيسى عليه السلام ومن معجزاتهم قرابين تأكلها النار فكذبتموهم ، فترك إعادة الباء هنالك إشارة إلى أن الرُسل جاءوا بالأنواع الثلاثة .

ولما كان المقام هنا لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ناسب أن يذكر ابتلاء الرسل بتكذيب أممهم على اختلاف أحوال الرسل ؛ فمنهم الذين أتَوا بآيات ، أي خوارق عادات فقط مثل صالح وهود ولوط ، ومنهم من أتوا بالزبر وهي المواعظ التي يؤمر بكتابتها وزَبرها ، أي تخطيطها لتكون محفوظة وتردد على الألسن كزبور داود وكتب أصحاب الكتب من أنبياء بني إسرائيل مثل أرمياء وإيلياء ، ومنهم من جاءوا بالكتاب المنير ، يعني كتاب الشرائع مثل إبراهيم وموسى وعيسى ، فذكر الباء مشير إلى توزيع أصناف المعجزات على أصناف الرسل .

فزبور إبراهيم صُحُفه المذكورة في قوله تعالى : { صحف إبراهيم وموسى } [ الأعلى : 19 ] .

وزبور موسى كلامه في المواعظ الذي ليس فيه تبليغ عن الله مثل دعائه الذي دعا به في قادش المذكور في الإِصحاح التاسع من سفر التثنية ، ووصيته في عَبر الأردن التي في الإِصحاح السابع والعشرين من السفر المذكور ، ومثل نشيده الوعظي الذي نطق به وأمر بني إسرائيل بحفظه والترنّم به في الإِصحاح الثاني والثلاثين منه ، ومثل الدعاء الذي بارك به أسباط إسرائيل في عَربات مُؤاب في آخر حياته في الإِصحاح الثالث والثلاثين منه .

وزبور عيسى أقواله المأثورة في الأناجيل مما لم يكن منسوباً إلى الوحي .

فالضمير في « جاءوا » للرسل وهو على التوزيع ، أي جاء مجموعهم بهذه الأصناف من الآيات ، ولا يلزم أن يجيء كل فرد منهم بجميعها كما يقال بنو فلان قتلوا فلاناً .

وجواب { إن يكذبوك } محذوف دلت عليه علته وهي قوله : { فقد كذبت رسل من قبلك }

[ فاطر : 4 ] . والتقدير : إن يكذبوك فلا تحزن ، ولا تحسبهم مفلِتين من العقاب على ذلك إذ قد كذب الأقوام الذين جاءتهم رسل من قبل هؤلاء وقد عاقبناهم على تكذيبهم .

فالفاء في قوله : { فقد كذب الذين من قبلهم } فاء فصيحة أو تفريع على المحذوف .

وجملة { جاءتهم } صلة { الذين } ، و { من قبلهم } في موضع الحال من اسم الموصول مقدّم عليه أو متعلق ب { جاءتهم } .