معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (64)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (64)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله عيسى - عليه السلام - لقومه ، عندما بعثه الله إليهم فقال : { وَلَمَّا جَآءَ عيسى بالبينات قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة } .

والبينات : جمع بينة . وهى صفة لموصوف محذوف ، والمراد بها : المعجزات التى أيد الله - تعالى - بها عيسى - عليه السلام - .

والمراد بالحكمة : التشريعات والتكاليف والمواعظ التى أرشدهم إليها ، عن طريق الكتاب الذىأنزله الله تعالى إليه ، وهو الإِنجيل .

أى : وحين جاء عيسى - عليه السلام - إلى قومه ، قال لهم على سبيل النصح والإِرشاد : يا قوم لقد جئتكم بالمعجزات البينات الواضحة التى تشهد بصدقى وجئتكم بالإِنجيل المشتمل على ما تقتضيه الحكمة الإِلهية من آداب وتشريعات ومواعظ .

وقوله : { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } متعلق بمحذوف والتقدير :

قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ، وجئتكم - أيضا - لأبين لكم ولأصحح لكم بعض الأمور التى تختلفون فيها .

وقال - سبحانه - { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الذي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } ولم يقل لكم كل الذى تختلفون فيه ، للإِشعار بالرحمة بهم وبالستر عليهم ، حيث بين البعض وترك البعض الآخر ، لأنه لا ضرورة تدعو إلى بيانه .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : هلا بين لهم كل الذى يختلفون فيه ؟ قلت : كانوا يختلفون فى الديانات ، وما يتعلق بالتكليف ، وفيهما سوى ذلك مما لم يتعبدوا بمعرفته والسؤال عنه ، وإنما بعث ليبين لهم ما اختلفوا فيه مما يعنيهم من أمر دينهم . .

وقوله - تعالى - : { فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ إِنَّ الله هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } .

أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم ، فاتقوا الله - تعالى - بأنه تصونوا أنفسكم عن كل ما يغضبه ، وبأن تطيعونى فى كل ما آمركم به أو أنهاكم عنه .

وإن الله - تعالى - هو ربى وربكم فأخلصوا له العبادة والطاعة ، وهذا الذى آمركم به أو أنهاكم عنه ، هو الطريق القويم ، الذى يوصلكم إلى السعادة الدنيوية والأخروية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (64)

وجملة { إن الله هو ربّي وربّكم } تعليل لجملة { فاتقوا الله وأطيعون } لأنه إذا ثبت تفرده بالربوبية توجه الأمر بعبادته إذ لا يَخاف الله إلا مَن اعترف بربوبيته وانفرادِه بها .

وضمير الفصل أفاد القصر ، أي الله ربّي لا غيره . وهذا إعلان بالوحدانية وإن كان القوم الذين أرسل إليهم عيسى موحِّدين ، لكن قد ظهرت بدعةٌ في بعض فرقهم الذين قالوا : عزيرُ ابنُ الله . وتأكيد الجملة بِ { إنَّ } لمزيد الاهتمام بالخبر فإن المخاطبين غير منكرين ذلك .

وتقديم نفسه على قومه في قوله : { ربّي وربّكم } لقصد سدّ ذرائع الغلوّ في تقديس عيسى ، وذلك من معجزاته لأن الله علم أنه ستغلو فيه فِرق من أتباعه فيزعمون بنوَّتَه من الله على الحقيقة ، ويضلّون بكلمات الإنجيل التي يَقول فيها عيسى : أبي ، مريداً به الله تعالى .

وفرع على إثبات التوحيد لله الأمر بعبادته بقوله : { فاعبدوه } فإن المنفرد بالإلهية حقيق بأن يعبد .

والإشارة ب { هذا صراط مستقيم } إلى مضمون قوله : { فاتقوا الله وأطيعون } ، أي هذا طريق الوصول إلى الفوز عن بصيرة ودون تردد ، كما أن الصراط المستقيم لا ينبهم السير فيه على السائر .