ثم ساق - سبحانه - أمثلة ، لبيان الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، وبين الحق والباطل ، وبين العلم والجهل . . فقال - تعالى - : { وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير وَلاَ الظلمات وَلاَ النور وَلاَ الظل وَلاَ الحرور وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات . . . } .
والحرور : هو الريح الحارة التى تلفح الوجوه من شدة حرها ، فهو فعول من الحر .
أى : وكما أنه لا يستوى فى عرف أى عاقل الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن ، وكما لا تصلح المساواة بين الظلمات والنور ، كذلك لا تصلح المساواة بين الكفر والإِيمان ، وكما لا يتاسوى المكان الظليل مع المكان الشديد الحرارة ، كذلك لا يستوى أصحاب الجنة وأصحاب النار .
فأنت ترى أن الآيات الكريمة قد مثلت الكافر فى عدم اهتدائه بالأعمى ، والمؤمن بالبصير ، كما مثلت الكفر بالظمات والإِيمان بالنور ، والجنة بالظل الظليل ، والنار بالريح الحارة التى تشبه السموم .
وكرر - سبحانه - لفظ { لاَ } أكثر من مرة ، لتأكيد نفى الاستواء ، بأية صورة من الصور .
مضمن هذه الآية طعن على الكفرة وتمثيل لهم بالعمى والظلمات وتمثيل المؤمنين بآرائهم بالبصراء والأنوار ، وقوله { ولا النور } ودخول { لا } فيها وفيما بعدها إنما هو على نية التكرار كأنه قال { ولا الظلمات } والنور ، { ولا النور } ولا الظلمات ، فاستغنى بذكر الأوائل عن الثواني ودل مذكور الآية على متروكه{[9711]} .
أربعة أمثال للمؤمنين والكافرين ، وللإِيمان والكفر ، شبه الكافر بالأعمى ، والكُفر بالظلمات ، والحرور والكافر بالميّت ، وشبه المؤمن بالبصير وشبه الإِيمان بالنور والظل ، وشبه المؤمن بالحي تشبيه المعقول بالمحسوس . فبعد أن بيّن قلة نفع النذارة للكافرين وأنها لا ينتفع بها غير المؤمنين ضرب للفريقين أمثالاً كاشفة عن اختلاف حاليهما ، وروعي في هذه الأشباه توزيعها على صفة الكافر والمؤمن ، وعلى حالة الكفر والإِيمان ، وعلى أثر الإِيمان وأثر الكفر .
وقدم تشبيه حال الكافر وكفره على تشبيه حال المؤمن وإيمانه ابتداء لأن الغرض الأهم من هذا التشبيه هو تفظيع حال الكافر ثم الانتقالُ إلى حسن حال ضده لأن هذا التشبيه جاء لإِيضاح ما أفاده القصر في قوله : { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } [ فاطر : 18 ] كما تقدم آنفاً من أنه قصر إضافي قصرَ قلب ، فالكافر شبيه بالأعمى في اختلاط أمره بين عقل وجهالة ، كاختلاط أمر الأعمى بين إدراك وعدمه .
والمقصود : أن الكافر وإن كان ذا عقل يدرك به الأمور فإن عقله تمحض لإِدراك أحوال الحياة الدنيا وكان كالعدم في أحوال الآخرة كقوله تعالى : { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [ الروم : 7 ] ، فحاله المقسم بين انتفاع بالعقل وعدمه يشبه حال الأعمى في إدراكه أشياء وعدم إدراكه .
والعمى يعبر به عن الضلال ، قال ابن رواحة :
أرانا الهدى بعد العَمَى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال واقع
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.