الآيات 19 -22 وقوله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير } { ولا الظلمات ولا النور } { ولا الظل ولا الحرور } { وما يستوي الأحياء ولا الأموات ، إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمُسمعِ من في القبور } ضرب هذا المثل يخرّج على وجوه :
أحدها : شبّه الأصنام التي يعبدونها بالأعمى والظلمة والميتة والحرور حقيقة{[17240]} لأنها كذلك عميان ، موتى ، ولا نور فيها ، يقول ، والله أعلم : إنكم تعلمون الذين تعبدون من دون الله عميانا ، ولا بصر لهم ، ولا نور ، ولا حياة ، ولا شيء من ذلك ، وأن الله هو البصير ، ومنه يكون كل خير ونفع فكيف اخترتم عبادة من هذا سبيله على عبادة الله تعالى ؟ وبالله الهداية والعصمة .
والثاني : شبّه أولئك الكفرة بالعُميان والظلمة والموت وما ذكر ، والمؤمن بالبصير والنور والظل والحياة ، ليس على إرادة حقيقة البصر والحياة وما ذكر لأن لهم بصرا يبصرون ، وهم أحياء ، فيقولون : نحن بُصَراء وأحياء ، وأنتم العميان والأموات وما ذكر ، لكن شبّههم بالعميان والموتى لأنه لا حجة لهم ولا برهان على عبادتهم الأصنام ، وهم يعلمون أنه لا حُجّة لهم ولا برهان على ذلك من كتاب أو رسول أو نحوه ، إنما هو هوى ، يهوون ذلك .
وللمؤمنين في عبادتهم الله حجّة وبرهان . فمن كان له حجة في عبادته فهو بصير ، حيّ ، نور . ومن ليس له ذلك فهو أعمى ميّت .
والثالث : يذكر هذا دلالة على البعث لأنهم يعلمون أن الخلق ليسوا{[17241]} كلهم على حدّ واحد وحالة واحدة ، بل فيهم العميان والبُصراء ، وفيهم الأحياء والأموات ، وفيهم ما ذكر . وقد استووا جميعا /441-أ/ في منافع هذه الدنيا . وفي الحكمة التفريق بينهم لا الجمع ، فلا بد من دار أخرى سوى هذه تفرّق بينهم ، إذ في الحكمة والعقل التفريق لا الجمع ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن الله يُسمع من يشاء وما أنت بمُسمِع من في القبور } [ دل قوله { إن الله يُسمع من يشاء } على أن قوله { وما أنت بمُسمع من في القبور } ]{[17242]} إنما أراد به الكافر . ثم أخبر أن رسوله لا يُسمِعه{[17243]} لما لا يقدر على ذلك ، وليس عنده ذلك ، إذ لو كان [ الهدى ]{[17244]} بيانا مبيّنا أو دعاء على ما تقوله المعتزلة لكان يُسمِع ، ويبيّن ، ويقدر على ذلك .
فإن لم يقدر رسول الله على ذلك دل أن عند الله [ لطفا وشيئا ]{[17245]} لم يعطهم . فإذا أعطاهم ذلك اهتدوا ، وآمنوا ، وكذلك هذا في قوله : { إنك لا تهدي من أحببت } [ القصص : 56 ] ولو كان [ الهدى ]{[17246]} بيانا على ما تقوله المعتزلة لهدى من أحبّ ، وقد أحب فلم يهتد ، دل أن عند الله [ شيئا لم يعطه ، ولو ]{[17247]} أعطى لاهتدى ولم يكن ذلك عند رسوله ، وهو التوفيق والعصمة .
وهذا ينقُض على المعتزلة قولهم : إن الله قد أعطى كل كافر ما به يهتدي ، لكنه لم يهتد . ثم لا يحتمل قوله : { إن الله يُسمع من يشاء } على القسر والقهر ، دل أنه لا يحتمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.