معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا} (8)

{ فسوف يحاسب حساباً يسيرا } . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أنبأنا نافع ، عن ابن عمر ، حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه ، وإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حوسب عذب ، قالت عائشة رضي الله عنها فقلت : للنبي : أو ليس يقول الله عز وجل : { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } قالت : فقال : إنما ذلك العرض ، ولكن من نوقش في الحساب هلك " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا} (8)

ثم فصل - سبحانه - بعد ذلك عاقبة هذا الكدح ، والسعى المتواصل . . فقال - تعالى - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً . وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً } .

والمراد بالكتاب هنا : صحيفة العمل التى سجلت فيها حسنات الإِنسان وسيئاته .

والمراد بالحساب اليسير : عرض الأعمال ، مع التجاوز عن الهفوات ، بفضل الله - تعالى - : أى : الناس جميعا يكدحون فى هذه الحياة ، ثم يعودون إلى خالقهم للحساب والجزاء ، فأما من أعطى كتابه بيمينه ، وهم المؤمنون الصادقون ، فسوف يحاسب من ربه - تعالى - حسابا يسيرا سهلا ، بأن تعرض أعماله على خالقه - تعالى - ثم يكون التجاوز عن المعاصى والثواب على الطاعة ، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة .

ثم ينقلب هذا الإِنسان بعد ذلك إلى أهله وعشيرته ، مبتهجا مسرورا ، بسبب فضل الله - تعالى - عليه ، ورحمته به .

وعبر - سبحانه - عن فوز هذا الإِنسان : بأنه يؤتى كتابه بيمينه ، للإِشعار بأنه من أهل السعادة والتقوى ، فقد جرت العادة أن اليد اليمنى إنما تتناول بها الأشياء الزكية الحسنة . والباء فى قوله { بيمينه } للملابسة أو المصاحبة ، أو بمعنى فى .

قال الآلوسى : والحساب اليسير : هو السهل الذى لا مناقشة فيه . وفسره صلى الله عليه وسلم بالعرض وبالنظر فى الكتاب ، مع التجاوز ، أخرج الشيخان عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ليس أحد يحاسب إلا هلك " قلت يا رسول الله ، جعلنى الله فداك ، أليس الله - تعالى - يقول { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ .

فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ، قال : ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك " .

وأخرج الإِمام أحمد عن عائشة - أيضا - قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بعض صلاته : " اللهم حاسبنى حسابا يسيرا " فلما انصرف قلت له : يا رسول الله ، ما الحساب اليسير ؟ قال : " أن ينظر فى كتابه فيتجاوز له عنه " " .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا} (8)

فسوف يحاسب حسابا يسيرا سهلا لا يناقش فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا} (8)

ثم قسم تعالى الناس إلى : المؤمن والكافر ، فالمؤمنون يعطون كتبهم بأيمانهم ومن ينفذ عليه الوعيد من عصاتهم فإنه يعطى كتابه عند خروجه من النار ، وقد جوز قوم أن يعطاه أولاً قبل دخوله النار ، وهذه الآية ترد على هذا القول ، و «الحساب اليسير » : هو العرض : وأما من نوقش الحساب ، فإنه يهلك ويعذب{[11705]} ، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

«من حوسب عذب » فقالت عائشة : ألم يقل الله { فسوف يحاسب حساباً يسيراً } الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنا ذلك العرض ، وأما من نوقش الحساب فيهلك » وفي الحديث من طريق ابن عمر : «إن الله تعالى يدني العبد حتى يضع عليه كنفه ، فيقول : ألم أفعل بك كذا وكذا يعدد عليه نعمه ثم يقول له : فلم فعلت كذا وكذا لمعاصيه ، فيقف العبد حزيناً فيقول الله تعالى : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم{[11706]} » وقالت عائشة : سمعت رسول النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «اللهم حاسبني حساباً يسيراً » قلت يا رسول الله ، وما هو ؟ فقال : «أن يتجاوز عن السيئات{[11707]} » وروي عن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من حاسب نفسه في الدنيا ، هون الله تعالى حسابه يوم القيامة{[11708]} »


[11705]:أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها.
[11706]:أخرجه البخاري في الأدب وفي تفسير سورة هود وفي التوحيد، وأخرجه مسلم في التوبة، وابن ماجة في المقدمة، ولفظه كما في البخاري، عن صفوان بن محرز، قال: بينا ابن عمر يطوف إذ عرض رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، أو قال: يا بن عمر هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يدنى المؤمن من ربه –وقال هشام: يدنو المؤمن- حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف رب، يقول أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون، أو الكفار، فينادى على رءوس الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.
[11707]:أخرجه أحمد، وابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها، ولفظه كما ذكره السيوطي في الدر المنثور: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال: أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه، إنه من نوقش الحساب هلك).
[11708]:لم أقف عليه، والذي رواه الترمذي في هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا). هذا وقد أورد الطبري سؤالا في موضوع الحساب فقال: "إن قال قائل: كيف قيل: (فسوف يحاسب) والمحاسبة لا تكون إلا بين اثنين، والله القائم بأعمالهم، ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه، وإقرار من العبد بها وبما أحصاه كتاب عمله، فذلك المحاسبة على ما وصفنا، ولذلك قيل: يحاسب".

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَسَوۡفَ يُحَاسَبُ حِسَابٗا يَسِيرٗا} (8)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"فسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا" بأن ينظر في أعماله، فيغفر له سيئها، وَيجازَى على حَسنها...

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن الزّبير، عن عائشة، قالت: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «اللّهُمّ حاسِبْني حِسابا يَسِيرا» قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: «أنْ يَنْظُرَ فِي سَيّئاتِهِ فَيَتجاوَزُ عَنْهُ، إنّهُ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَئِذٍ هَلَكَ»... حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا أيوب، وحدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ حُوسِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عُذّبَ»، فقلت: أليس الله يقول: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابا يَسِيرا قال: «لَيْسَ ذلكِ الْحِسابُ، إنّمَا ذلكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسابَ يَوْمَ الْقِيامَةُ عُذّبَ».

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي الحساب ثلاثة أقاويل:

أحدها: يجازى على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات، قاله الحسن...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

أي يواقف على ما عمل من الحسنات وما له عليها من الثواب، وما حط عنه من الأوزار إما بالتوبة أو المغفرة، فالحساب اليسير التجاوز عن السيئات، والاحتساب بالحسنات...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{يَسِيراً} سهلاً هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فسوف يحاسب} أي يقع حسابه بوعد لا خلف فيه وإن طال الأمد لإظهار الجبروت والكبرياء والقهر {حساباً يسيراً} أي سهلاً لا يناقش فيه لأنه كان يحاسب نفسه فلا يقع له المخالفة إلا ذهولاً، فلأجل ذلك تعرض أعماله فيقبل حسنها ويعفو عن سيئها...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب. والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] وفيها غناء...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وحرف (سوف) أصله لحصول الفعل في المستقبل، والأكثر أن يراد به المستقبل البعيد وذلك هو الشائع، ويقصد به في الاستعمال البليغ تحقق حصول الفعل واستمراره ومنه قوله تعالى: {قال سوف أستغفر لكم ربي} في سورة [يوسف: 98]، وهو هنا مفيد للتحقق والاستمرار بالنسبة إلى الفعل القابل للاستمرارِ وهو ينقلب إلى أهله مسروراً وهو المقصود من هذا الوعد. وقد تقدم عند قوله تعالى: {فسوف نصليه ناراً} في سورة [النساء: 30].

والحساب اليسير: هو عَرْض أعماله عليه دون مناقشة فلا يَطول زمنه فيعجَّلُ به إلى الجنة، وذلك إذا كانت أعماله صالحة، فالحساب اليسير كناية عن عدم المؤاخذة.

و {من أوتي كتابه وراء ظهره} هو الكافر. والمعنى: إنه يؤتى كتابه بشماله كما تقتضيه المقابلة ب {من أوتي كتابه بيمينه} وذلك أيضاً في سورة الحاقة قوله: {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه}، أي يعطى كتابه من خلفه فيأخذه بشماله تحقيراً له ويناول له من وراء ظهره إظهاراً للغضب عليه بحيث لا ينظر مُناوِلُه كتابَه إلى وجهه...