ولم يتلفت السحرة إلى هذا التهديد والوعيد بعد أن استقر الإيمان فى قلوبهم ، بل قالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { لاَ ضَيْرَ } مصدر ضاره الأمر يضوره ويضيره ضيرا ، أى : ضره وألحق به الأذى .
أى : قالوا - بكل ثبات وعدم مبالاة بوعيده - لا ضرر علينا من عقابك فسنتحمله صابرين فى سبيل الحق الذى آمنا به .
{ إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } أى : راجعون إليه ، فيجازينا على صبرنا .
ثم توعَّدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل والصلب ، فقالوا : { لا ضَيْرَ } أي : لا حرج ولا يضرنا ذلك ولا نبالي به { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي : المرجع{[21722]} إلى الله ، وهو لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملا ولا يخفى عليه ما فعلت بنا ، وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء ؛ ولهذا قالوا :{[21723]} { إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا }
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ وَلاُصَلّبَنّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُواْ لاَ ضَيْرَ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } .
يقول لأُقَطّعَنّ أيْديَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل ، وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى ، ونحو ذلك من قطع اليد من جانب ، ثم الرجل من الجانب الاَخر ، وذلك هو القطع من خلاف وَلأُصَلّبَنّكُمْ أجَمعِينَ فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبقٍ منهم أحدا قالُوا لا ضَيْرَ يقول تعالى ذكره : قالت السحرة : لا ضير علينا وهو مصدر من قول القائل : قد ضار فلانٌ فلانا فهو يضير ضيرا ، ومعناه : لا ضرر . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا ضَيْرَ قال : يقول : لا يْضرّنا الذي تقول ، وإن صنعته بنا وصلبتنا إنّا إلى رَبّنا مُنْقَلِبُونَ يقول : إنا إلى ربنا راجعون ، وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا ، وثباتنا على توحيده ، والبراءة من الكفر به .
فقالوا له { لا ضير } أي لا يضرنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه{[8928]} .
وروي أنه أنفذ فيهم ذلك الوعيد وصلبهم على النيل ، قال ابن عباس أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء .
الضّير : مرادف الضرّ ، يقال : ضَاره بتخفيف الراء يضِيره ، ومعنى { لا ضير } لا يضرنا وعيدك . ومعنى نفي ضره هنا : أنه ضر لحظة يحصل عقبه النعيم الدائم فهو بالنسبة لما تعقبه بمنزلة العدم . وهذه طريقة في النفي إذا قامت عليها قرينة . ومنها قولهم : هذا ليسَ بشيء ، أي ليس بموجود ، وإنما المقصود أن وجوده كالعدم .
وجملة : { إنا إلى ربنا منقلبون } تعليل لنفي الضير ، وهي القرينة على المراد من النفي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.